لازهد في الزواج
جاء في تفسير ((البحر المديد)) باب 32 ج 4 ص239
""قال أبو أمامة : ( أربعة لعنهم الله من فوق عرشه ، وأمَّنت عليهم ملائكته
: الذي يحصر نفسه عن النساء ، فلا يتزوج ولا يتسرى؛ لئلا يولد له ، والرجل
يتشبه بالنساء ، والمرأة تتشبه بالرجال ، وقد خلقها الله أنثى ، ومُضلل
المساكين ) . وقال سهل بن عبد الله : لا يصح الزهد في النساء؛ لأنهن قد
حُببن إلى سيد الزاهدين . ووافقه ابن عُيَيْنَةَ ، فقال : ليس في كثرة
النساء دنيا؛ لأن أزهد الصحابة كان عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان
له أربع نسوة وبِضعَ عَشْرَةَ سُرِّيَّةً . ه . من القوت .
وقال عطية بن بُسْر المازني : أتى عكافُ بن وَدَاعَة الهلالي النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم فقال له : « يا عكاف؛ ألك زوجة؟ قال : لا ، يارسول الله
، ولا أمة؟ قال : لا . قال : وأنت صحيح موسر؟ قال : نعم ، والحمد لله .
قال : فإنك ، إذاً ، من إخوان الشياطين ، إما أن تكون من رهبان النصارى ،
وإما تكون مؤمناً ، فاصنع ما بدا لك . فإن سنتنا النكاح ، شراركم عزابكم ،
وأرذال موتاكم عزابكم ، ما للشيطان ، في سلاح ، أبلغ من مُحْتَمِلِ
العَزَبَةِ ، ألا إن المتزوجين هم المطهرون المبرؤون من الخنا » انظر
الثعلبي .
قال تعالى : { ولْيَسْتَعْفِفِ الذين لا يجدون نكاحاً } أي : ليجتهد في
العفة عن الزنا وقمع الشهوة من لم يجد الاستطاعة على النكاح؛ من المهر
والنفقة ، { حتى يُغْنِيَهُم الله من فضلِهِ } ؛ حتى يقدرهم الله على المهر
والنفقة ، قال عليه الصلاة والسلام : « يا معشر الشباب ، من استطاع منكم
الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر ، وأحصنُ للفرج ، ومن لم يستطع فعليه
بالصوم؛ فإنه له وجَاءٌ » ، فانظر كيف رتَّب الحق تعالى هذه الأمور؟ أَمَرَ
، أولاً ، بما يَعْصِمُ من الفتنة ، ويُبعد عن مواقعة المعصية ، وهو غض
البصر ، ثم بالنكاح المُحَصَّنِ للدين ، المغني عن الحرام ، ثم بعزف النفس
الأمارة بالسوء عن الطموح إلى الشهوة ، عند العجز عن النكاح ، إلى أن يقدر
عليه . وبالله التوفيق .
الإشارة : الأرواح والقلوب والنفوس لا يظهر نِتَاجُها حتى ينعقد النكاح
بينها وبين شيخ كامل ، فإذا انعقدت الصحبة بينها وبين الشيخ ، قذف نطفة
المعرفة في الروح أو القلب أو النفس ، ثم يربيها في مشيمة الهِمَّة ، ثم في
حَضَانة الحفظ والرعاية ، فَيَظْهَرُ منها نِتاجُ اليقين والعلوم والأسرار
والمعارف ، وأما إن بقيت أيامَى؛ لا زوج لها ، فلا مطمع في نِتَاجها ، قال
تعالى : { وأَنْكِحوا الأيامى منكم } ، وهي الأرواح ، والصالحين من قلوبكم
، ونفوسكم ، إن يكونوا فقراء؛ من اليقين ، والمعرفة بالله ، يغُنهم الله
من فضله؛ بمعرفته ، والله واسع عليم ، وليتعفف ، عن المناكر ، الذين لا
يجدون من يأخذ بيدهم ، حتى يغنيهم الله من فضله؛ بالسقوط على شيخ كامل؛
فإنه من فضل الله ومنته ، لا يسقط عليه إلا من اضْطُرَّ إليه ، وصَدَقَ
الطلبَ في الوصول إليه .