الصلاة في أوقات النهي
تحرير محلّ النِّـزاع :
قال ابن الملقّن : أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في أوقات النهي ، واتفقوا على جواز الفرائض المؤدّاة فيها .
واختلفوا في النوافل التي لها سبب كالعيد والجنازة وقضاء الفوائت ( الإعلام بِفوائد عمدة الأحكام ( 2 / 310 ) .
وقال الشوكاني : وقد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر ،
فذهب الجمهور إلى أنها مكروهة وادعى النووي الاتفاق على ذلك ، وتعقبه
الحافظ بأنه قد حُكي عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا ، وأن أحاديث النهي
منسوخة . قال : وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر ، وبذلك جزم ابن حزم (
نيل الأوطار ( 3 / 100 ) .
وتعقب الحافظ للنووي مُتعقّب :
لأن الإمام النووي لا يرى الاعتداد بخلاف أهل الظاهر ، فإنه قال في المجموع
( 9 / 230 ) في مناقشة مسألة أخرى : فكأنهم لم يعتدوا بخلاف داود ، وقد
سبق أن الأصح أنه لا يُعتد بخلافه ، ولا خلاف غيره من أهل الظاهر لأنهم
نفوا القياس ، وشرط المجتهد أن يكون عارفا بالقياس .
ثم إن هذا الاتفاق نقله غير واحد ، فقد نقله ابن عبد البر فقال : ولا خلاف
بين المسلمين أن صلاة التطوع كلها غير جائز أن يُصلى شيء منها عند طلوع
الشمس ولا عند غروبها ، وإنما اختلفوا في الصلوات المكتوبات والمفروضات على
الكفاية والمسنونات . الاستذكار ( 1 / 112 ) .
وقال العراقي : وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ ( طرح التثريب ( 1 / 367 ) . ثم ذكَرَ قول ابن عبد البر وقول النووي .
أوقات النهي :
يُمكن تقسيم أوقات النهي عن الصلاة إلى خمسة أوقات :
1 - بعد العصر إلى أن تصفرّ الشمس .
2 – بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس .
3 – قُبيل صلاة الظهر إلى أن تزول الشمس ( بمقدار عشر دقائق تقريبا قبل الأذان ) .
4 – من اصفرار الشمس إلى الغروب .
5 – من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح ( بمقدار عشر دقائق تقريبا ) .
هذه الأوقات لا يجوز أن التطوّع فيها ابتداءً .
ومِن العلماء مَن يَرى أن وقت النهي مِن طُلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، لا يُصلَّى فيه من النوافل إلاَّ راتبة الفجر .
ففي حديث حفصة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا
طلع الفجر لا يُصَلِّي إلاَّ ركعتين خفيفتين ( رواه البخار ي(ح 593) ومسلم
(ح 723) .
.
قال ابن قدامة : فَأَمَّا النَّهْيُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَيَتَعَلَّقُ
بِطُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ،
وَالْعَلاءُ بْنُ زِيَادٍ ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ،
وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .
وَقَالَ النَّخَعِيُّ : كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ .
يَعْنِي التَّطَوُّعَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ .
وَرُوِيَتْ كَرَاهَتُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّ النَّهْيَ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الصَّلاةِ أَيْضًا كَالْعَصْرِ (المغني (2/525 ) .
ويُمكن تقسيم هذه الأوقات الخمسة إلى أوقات موسّعة ، وهي ما بعد صلاة الفجر
وما بعد صلاة العصر ، وإلى أوقات مُضيَّقة ، وهي عند طلوع الشمس وعند
غروبها وعند الزوال .
ودليل النهي الْموسَّع :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتين :
نَهَى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس
(رواه البخاري (ح 559 ) .
وحديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا : لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب
الشمس ، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ( رواه البخاري (ح 561) .
والذي يظهر أن ذوات الأسباب تُصلى في الأوقات الموسَّعة دون المضيَّقة .
وذلك للدليل والتعليل :
أما الدليل فهو قوله عليه الصلاة والسلام : إذا طلع حاجب الشمس فأخِّروا
الصلاة حتى ترتفع ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة حتى تغيب ( رواه
البخاري (ح 558) ومسلم (ح 829) .
وفي رواية : " لا تَحَرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، فإنها تطلع بقرني شيطان " ( رواه البخاري (ح558) ومسلم (ح 828) ) .
وفي رواية : " إذا طلع حاجب الشمس فَدَعُوا الصلاة حتى تَبْرُز ، وإذا غاب
حاجب الشمس فَدَعُوا الصلاة حتى تغيب ، ولا تَحَيَّنُوا بصلاتكم طلوع الشمس
ولا غروبها ، فإنها تطلع بين قرني شيطان " ( رواية البخاري (ح 3099) .
وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، وفيه : وَوَقْتُ صَلاةِ الصُّبْحِ
مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتْ
الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلاةِ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ
قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ( رواه مسلم (ح612) .
وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة
حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب
حتى تغرب ( رواه مسلم (ح 831) .
وفي حديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه : صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ،
ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى
تَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ
شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ ،
فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ
بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ
جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ
مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ
الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ
قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ (رواه مسلم
(ح 832 ) .
قال العراقي في شرح الحديث (طرح التثريب (4/168 ) :
اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حَالَتَيْ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَغُرُوبِهَا ، وَدَلَّ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ
الطُّلُوعِ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، وَأَنَّ النَّهْيَ يَتَوَجَّهُ قَبْلَ
الْغُرُوبِ مِنْ حِينِ تَضَيُّفِ الشَّمْسِ أَيْ مَيْلِهَا ، وَهِيَ
حَالَةُ صُفْرَتِهَا وَتَغَيُّرِهَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ " إذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ
حَتَّى تَرْتَفِعَ " لَفْظُ الْبُخَارِيِّ ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ حَتَّى
يَبْرُزَ ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ
بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : : ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ
نُصَلِّيَ فِيهِنَّ ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ
الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ
الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ "
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلاةِ
قَالَ صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى
تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ
تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا
الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ
حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ ،
فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ
فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ
الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ،
فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا
الْكُفَّارُ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الارْتِفَاعِ عَنْ الأُفُقِ
بَلْ الارْتِفَاعُ الَّذِي يَذْهَبُ مَعَهُ صُفْرَةُ الشَّمْسِ أَوْ
حُمْرَتُهَا ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ ،
وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لا تُنَافِي لَفْظَ الْحَدِيثِ ؛ لأَنَّ مَعْنَى (
عِنْدَ ) حَضْرَةُ الشَّيْءِ ، فَمَا قَارَبَ الطُّلُوعَ وَالْغُرُوبَ
فَلَهُ حُكْمُهُ ، لَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يُقَارِبُ الطُّلُوعَ مِمَّا
بَعْدَهُ ، وَمَا يُقَارِبُ الْغُرُوبَ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَتَمَسَّكَ
بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ : إنَّ
الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بِطُلُوعِ قُرْصِ الشَّمْسِ بِتَمَامِهِ وَهُوَ
ضَعِيفٌ ؛ لأَنَّ الأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الارْتِفَاعِ مَعَهَا
زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيَجِبُ الأَخْذُ بِهَا . اهـ .
وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان لا يقوم ( يعني : النبي صلى
الله عليه وسلم ) مِن مُصَلاّه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع
الشمس ، فإذا طلعت الشمس قام ( رواه مسلم (ح 670) .
وفي رواية : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربّع في مجلسه
حتى تطلع الشمس حسناء ( رواه الإمام أحمد (ح 21032) وأبو داود (ح 4850) .
وأما التعليل فلأن الأوقات المضيَّقة هي أوقات قصيرة يسيرة ، مع ما يقع فيها من مُشابهة المشركين .
قال الإمام الذهبي : فنفس الموافقة والمشاركة لهم ( يعني بهم الكفار
والمشركين ) في أعيادهم ومواسمهم حرام ، بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت
غروبها ، وقال : إنها تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ،
والمصلِّي لا يقصد ذلك إذ لو قصده كَفَرَ ، لكن نفس الموافقة والمشاركة لهم
في ذلك حرام ( تشبه الخسيس بأهل الخميس ( ص 30 ) .
قال ابن قدامة : والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة ، فمن لم
يُصلِّ أبيح له التنفّل وإن صلى غيره ، ومن صلى العصر فليس له التنفل ، وإن
لم يصل أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر (
المغني ( 2 / 525 ) .
وقال أيضا : الصحيح أنه لا يُصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي في
حديث عقبة بن عامر ، وكذلك لا ينبغي أن يركـع للطواف فيها ، ولا يُعيد فيها
جماعـة ، وإذا مُنعت هذه الصلوات المتأكدة فيها فغيرها أولى بالمنع
(المرجع السابق ( 2 / 535 ) .
هل تُصلّى ذوات الأسباب في وقت النهي ؟
ما كان من ذوات الأسباب فإنها تُصلّى في أوقات النهي على الصحيح من أقوال أهل العلم .
فالفوائت تُصلي في أوقات النهي
لقوله عليه الصلاة والسلام : من نسي صلاة أو نام عنها ، فكفارتها أن يصليها
إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك ( رواه البخاري (ح 572) ومسلم (ح 684) .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس ،
فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك
العصر . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن عبد البر : وقال مالك والثوري والشافعي والأوزاعي - وهو قول عامة
العلماء - من أهل الحديث والفقه من نام عن صلاة أو نسيها أو فاتته بوجه من
وجوه الفوت ثم ذكرها عند طلوع الشمس واستوائها أو غروبها أو بعد الصبح أو
العصر - صلاها أبداً متى ذكرها (الاستذكار ( 1 / 47 ) .
إلا أنها لا تُصلَّى عند طلوع قرص الشمس ، ففي حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن
رضي الله عنهما حينما ناموا عن صلاة الفجر : حَتَّى اسْتَيْقَظَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ
وَرَأَى الشَّمْسَ قَدْ بَزَغَتْ قَالَ : ارْتَحِلُوا، فَسَارَ بِنَا
حَتَّى إِذَا ابْيَضَّتْ الشَّمْسُ نَزَلَ فَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ (
رواه البخاري (ح 337) ومسلم (ح 682) .
كما تُصلى كل صلاة لها سبب :
فـتُصلّى ركعتي الطواف في أوقات النهي لقوله عليه الصلاة والسلام : يا بني
عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار (
رواه الترمذي ( ح 868 ) والنسائي (ح 585) وابن ماجه ( ح 1254 ) ، وصححه
الألباني في " الإرواء " (ح 481) .
وتُصلى تحية المسجد لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا دخل أحدكم المسجد فلا
يجلس حتى يصلي ركعتين (رواه البخاري (ح 1110) ومسلم (ح 714 )
وتُصَلَّى سنة الوضوء في أوقات النهي الموسَّع
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ بلالاً على صلاة ركعتين كلما توضأ ،
فقال عليه الصلاة والسلام : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام
منفعة ؟ فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة . قال بلال: ما عملت
عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تامًّا في ساعة من
ليل ولا نهار إلاَّ صليت بذلك الطهور ما كََتَبَ الله لي أن أصلي (رواه
البخاري (ح 1098) ومسلم (ح 2458 ) .
ولقائل أن يقول : كيف مُنعت الصلاة في الأوقات المضيّقة ، وحديث بلال هذا لم يخص وقتا دون وقت .
والجواب : أن ما في هذا الحديث إقرار منه عليه الصلاة والسلام ، وما تقدّم
من النهي عن الصلاة في الأوقات المضيّقة قول ، ودلالة القول أقوى من دلالة
التقرير .
كما أن القول خاص ، وفعل بلال عام في كل وقت ، فقُدِّم الخاص على العام .
وتبقى دلالة فعل بلال على جواز صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي الموسّعة دون المضيّقة .
وتُصلى راتبة الفجر بعد صلاة الفجر :
قال ابن قدامة : فأما قضاء سنة الفجر بعدها فجائز ، إلاّ أن أحمد اختار أن
يقضيهما من الضحى ، وقال : إن صلاهما بعد الفجر أجزأ ، وأما أنا فأختار ذلك
، وقال عطاء وابن جريج والشافعي يقضيهما بعدها ، لِمَا رُوي عن قيس بن قهد
( قال النووي : بقاف مفتوحة ثم هاء ساكنة ثم دال ) قال : رآني رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر ، فقال : ما
هاتان الركعتان يا قيس ؟ قلت يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما
هاتان . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ( وقال الألباني : صحيح لغيره
) ، وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز ؛ ولأن النبي صلى الله
عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر ، وهذه في معناها ؛ ولأنها صلاة ذات
سبب فأشبهت ركعتي الطواف ( المغني ( 2 / 531 ، 532 ) .
وتُصلّى صلاة الكسوف ؛ لأنها من ذوات الأسباب .
ويُسجد سجود التلاوة والشكر في هذه الأوقات ، وهو مُجرّد سُجود ، وليس مِن جِنْس الصلاة .
إشكال وجوابه :
ثبت النهي عن الصلاة بعد العصر في غير حديث تقدّم بعضها ، وثبت ما يُعارضه
ظاهرا ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قضى سنة الظهر بعد العصر ، فقد روى
البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ما ترك رسول الله صلى
الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط .
وسيأتي ذِكر مزيد من الروايات :
وللعلماء مسالك في الجمع بين هذه الأحاديث :
الأول : أنه تعارض حاظر ومُبيح
والقاعدة أنه إذا تعارض حاظر ومُبيح قُـدِّم الحاظر .
والثاني : أنه هذا الفعل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن حجر : تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا
ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس ، وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك ، وأجاب
عنه من أطلق الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب
من غير كراهة ، وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه ،
والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم
كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ، ويواصل وينهى عن الوصال . رواه أبو داود (
فتح الباري ( 2 / 64 ) .
والثالث : أن هذا من قضاء النوافل ، ولا يكون هذا إلا لمن حافظ عليها .
وهذا الذي يظهر من النصوص الواردة في صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر .
ففي الصحيحين عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن
أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا : اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلْها عن الركعتين بعد العصر ، وقل :
إنا أُخبرنا أنك تصلينهما ، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عنهما . قال ابن عباس : وكنت أَضْرِب مع عمر بن الخطاب الناس عليها .
قال كريب : فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به فقالت : سَـلْ أم سلمة .
فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى
عائشة فقالت أم سلمة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم
رأيته يصليهما ؛ أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ، ثم دخل وعندي نسوة من بني
حرام من الأنصار فصلاهما ، فأرسلت إليه الجارية فقلت : قومي بجنبه فقولي
له : تقول أم سلمة يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك
تصليهما ، فإن أشار بيده فاستأخري عنه . قال : ففعلت الجارية فأشار بيده ،
فاستأخرت عنه ، فلما انصرف قال : يا بنت أبي أمية سألتِ عن الركعتين بعد
العصر . إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم ، فشغلوني عن
الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان (رواه البخاري (ح 1176) ومسلم (ح
834 ) .
وعند مسلم ( (ح 835) عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصليهما بعد العصر . فقالت : كان يصليهما
قبل العصر ، ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما ،
وكان إذا صلى صلاة أثبتها . قال يحيى بن أيوب : قال إسماعيل : تعني داوم
عليها .
قال ابن قدامة : وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر ، فالصحيح جوازه ؛ لأن
النبي صلى الله عليه وسلم فعله فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد
العصر في حديث أم سلمة ، وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث
عائشة ، والاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم متعين ؛ ولأن النهي
بعد العصر خفيف لما رُوي في خلافه مِن الرخصة ، وما وقع من الخلاف فيه ،
وقول عائشة : إنه كان ينهى عنها ، معناه - والله أعلم - نهى عنها لغير هذا
السبب ، أو أنه كان يفعلها على الدوام وينهى عن ذلك ، وهذا مذهب الشافعي (
المغني ( 2 / 533 ) .
فائدة :
إذا صلّى العصر صار ما بعدها وقت نهي ، سواء صلاّها في أول القوت ، أو جَمَعها جَمْع تقديم .
قال ابن قدامة : النَّهْيُ عَنْ الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مُتَعَلِّقٌ
بِفِعْلِ الصَّلاةِ ، فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ أُبِيحَ لَهُ التَّنَفُّلُ ،
وَإِنْ صَلَّى غَيْرُهُ .
وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ فَلَيْسَ لَهُ التَّنَفُّلُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ سِوَاهُ .
لا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلافًا عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُ الصَّلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ (المرجع السابق (2/525 ) .
وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة ثانية منهما ، ويُوتِر قبل دخول
وقت الثانية ؛ لأن سُنَّتها تابعة لها فيتبعها في فعلها ووقتها ، والوتر
وَقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح ، وقد صلى العشاء فدخل وقته (
المرجع السابق (3/140) ( 3 / 140 ) وقوله : " فله أن يصلي سنة ثانية منهما
" لا يُفهم منه الصلاة بعد العصر إذ هو وقت نهي ، كما أن السنة للمسافر أن
لا يُصلي السنن الرواتب عدا راتبة الفجر ، لِمَا رواه البخاري ( ح 1050 )
ومسلم ( ح 689 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صحبت النبي صلى الله عليه
وسلم فلم أره يُسَبِّح في السفر . يعني به السنة الراتبة ؛ لأن ابن عمر
نفسه روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم النافلة في السفر على الراحلة (
البخاري ح 955 ) و ( مسلم ح 700 ) ويُستثنى من ذلك راتبة الفجر ، فإن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يتركها في سفر ولا في حضر . روى البخاري ( ح 1106 )
عن عائشة رضي الله عنها قالت : صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم
صلى ثماني ركعات ، وركعتين جالسا ، وركعتين بين النداءين ، ولم يكن يدعهما
أبدا ) .