|
اخر موضوع | الوقت | العضو | | | الأحد سبتمبر 22, 2024 12:46 pm الخميس يناير 13, 2022 6:00 pm الأربعاء أبريل 01, 2015 1:00 pm الخميس مارس 26, 2015 5:49 pm الإثنين مارس 23, 2015 5:50 pm الخميس فبراير 26, 2015 2:34 pm الخميس فبراير 26, 2015 2:33 pm الخميس فبراير 26, 2015 2:22 pm الخميس فبراير 26, 2015 2:21 pm الأربعاء نوفمبر 05, 2014 12:46 pm
| |
|
|
| تاريخ الفتنة الإسلامية الكبرى بين علي ومعاوية | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
saso0o نائبة المدير
المشاركات : 3914 الجنـس : الـعـمــر : 36 السٌّمعَة : 93 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي : هوايـتـي :
| موضوع: تاريخ الفتنة الإسلامية الكبرى بين علي ومعاوية الأحد نوفمبر 13, 2011 7:31 pm | |
| المبحث الأول
الأحداث التي سبقت معركة الجمل
كانت فتنة مقتل عثمان – رضي الله عنه – سببًا في حدوث كثير من الفتن الأخرى، وألقت بظلالها على أحداث الفتن التي تلتها، وقد ساهمت أسباب عديدة في فتنة مقتل عثمان – رضي الله عنه -، منها: الرخاء وأثره في المجتمع، طبيعة التحول الاجتماعي في عهده، مجيء عثمان بعد عمر، خروج كبار الصحابة من المدينة، العصبية الجاهلية، توقف الفتوحات، الورع الجاهل، طموح الطامحين، تآمر الحاقدين، التدبير المحكم لإثارة المآخذ ضد عثمان، استخدام الأساليب والوسائل المهيجة للناس، دور عبد الله بن سبأ في الفتنة، وقد تم تفصيل تلك الأسباب في كتابي «تيسير الكريم المنّان في سيرة عثمان بن عفان».( ) إن عثمان- رضي الله عنه – كان الناس يحبونه حبًا عظيمًا، لحسن سياسته ولمكانته من رسول الله × وأحاديثه في الثناء عليه وزواجه من ابنتيه حتى سمي بذي النورين، فهو من الصحابة الكبار الذين بشروا بالجنة، ولقد تعرض للظلم في حياته من بعض الغوغاء، وكان في استطاعته أن يقضى عليهم ولكنه امتنع خوفًا من أن يكون أول من يسفك الدماء في أمة محمد ×، فقد كانت سياسته في التعامل مع الفتنة قائمة على الحلم والتأني والعدل، وقد منع الصحابة من قتال الغوغاء، وأحب أن يقي المسلمين بنفسه، ولذلك كان مقتله سببًا لحدوث كثير من الفتن الأخرى وألقت بظلالها على الأحداث المتتالية من الفتن، ولقد كان مقتله عظيمًا على المسلمين ولذلك تصدع المجتمع الإسلامي لهذا الحادث الجلل، وانقسم الناس، ومما يزيد من مكانته وبراءته مما نسب إليه مواقف الصحابة من قتله، فقد أجمع الجميع على براءته واتفقوا على الأخذ بدمه إلا أن المواقف اختلفت في الكيفية، وهذا ما سيأتي بيانه، بإذن الله. ونحب أن نسلط الأضواء على دور عبد الله بن سبأ في الفتنة عمومًا:
أولاً: أثر السبئية في إحداث الفتنة:
(1) السبئية حقيقة أم خيال: حقيقة عبد الله بن سبأ: أجمع القدماء على وجوده بلا استثناء وخالف في ذلك قلة من المعاصرين أكثرهم من الشيعة، وحجة من أنكره أنه من إبداع مخيلة سيف بن عمر التميمي وذلك لانتقاد بعض علماء الرجال له في مجال رواية الحديث أن العلماء يعدونه حجة في الأخبار، علمًا بأنه وردت روايات كثيرة عند ابن عساكر تذكر عبد الله بن سبأ ليس من بين رواتها سيف بن عمر، وقد حكم الألباني على بعضها بأنها صحيحة من حيث السند( ), وهذا غير الروايات الكثيرة عن ابن سبأ في كتب الشيعة سواء في كتب الفرق أو الرجال أو الحديث عندهم، وليس فيها عمر هذا، لا من قريب ولا من بعيد، وقد ابتدأ التشكيك في شخصية عبد الله بن سبأ( ) ووجوده في محاولة منهم لنفي دور العنصر اليهودي الحاقد في زرع الفتنة بين المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى يوجه الاتهام للصحابة بأنهم سبب الفتنة بغرض هدم النموذج السامي والصور المشرقة لهم عند المسلمين، وتابعهم على نفي وجود عبد الله بن سبأ بعض المعاصرين كلهم من الشيعة الرافضة لغاية في نفوسهم، وهي محاولتهم الفاشلة لتبرئة أصل مذهبهم من مؤسسة الحقيقي كما أجمع القدماء جميعهم بمن فيهم الشيعة. وتجدر الإشارة أن من أنكر عبد الله بن سبأ من المحسوبين على أهل السنة هم ممن تأثروا وتتلمذوا على أيدي المستشرقين فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل؟ وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق، لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في أخبار الفتنة، ودور ابن سبأ فيها لم يكن قصرًا على تاريخ الإمام الطبري، واستنادًا على روايات سيف بن عمر التميمي فيه، إنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين، وفي ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ الإسلامي وآراء الفرق والنحل في تلك الفترة، إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أغزرها مادة وأكثر تفصيلاً لا أكثر، ولهذا فإن التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل بحجة عدم ذكر عبد الله بن سبأ إلا من طريق سيف بن عمر حتى بعد ثبوت ذكره من روايات صحيحة ليس فيها سيف ابن عمر كما أسلفنا، إنما يعنى الهدم لكل تلك الأخبار، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء وتزيف الحقائق التاريخية، فمتى كانت المنهجية ضربًا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص والروايات المتضافرة؟ وهل تكون المنهجية في الضرب صفحًا والإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة والمتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية؟ ( ), وقد جاء ذكر ابن سبأ في كتب أهل السنة كثيرًا منها:
جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان( ) المتوفى عام 83هـ، وقد هجا المختار بن أبى عبيد الثقفي وأنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله
: شهدت عليكم أنكم سبئية
وأني بكم يا شرطة الكفر عارف( )
وهناك رواية عن الشعبي المتوفى عام103هـ (721م) تفيد كذب عبد الله بن سبأ( )، وتحدث ابن حبيب( ) المتوفى عام 245هـ (860م) عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الجبشيات( ), كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم المتوفى سنة 253هـ، خبر إحراق على – رضي الله عنه – لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الاستقامة( ), ويعتبر الجاحظ( ) المتوفى سنة (255هـ) من أوئل من أشار إلى عبد الله بن سبأ( ), ولكن روايته ليست أقدم رواية عن ابن سبأ كما يروى الدكتور جواد على( ), وخبر إحراق على بن أبى طالب – رضي الله عنه – لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمسانيد( ), ولفظ الزندقة ليس غريبًا عن عبد الله بن سبأ وطائفته.
ويقول ابن تيمية: إن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ( ). ويقول الذهبي: عبد الله من غلاة الزنادقة، ضال مضل( ).
ويقول ابن حجر: عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة.. وله أتباع يقال لهم السبئية، معتقدون الإلهية في على بن أبى طالب، وقد أحرقهم على بالنار في خلافته( ). ويوجد لابن سبأ ذكر في كتب الجرح والتعديل، يقول ابن حبان المتوفى354هـ: وكان الكلبي – محمد بن السائب الإخباري – سبئيًا، من أصحاب عبد الله بن سبأ، من أولئك الذين يقولون: إن عليًا لم يمت، وأنه راجع إلى الدنيا قبل الساعة.. وإن رأوا سحابة قالوا: أمير المؤمنين فيها( ), كما أن كتب الأنساب هي الأخرى تؤكد نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ، وهم الغلاة من الرافضة، وابن سبأ أصله من اليمن، كان يهوديًا وأظهر الإسلام( ), ولم يكن سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ، إذ أورد ابن عساكر في تاريخه روايات لم يكن سيف فيها، وهي تثبت ابن سبأ وتؤكد أخباره( ), ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة، فإنه ابتداع ابن سبأ الزنديق، وأظهر الغلو في على وادعى الإمامة والنص عليه، وادعى العصمة له( ), ويشير الشاطبى( ) والمتوفى عام790هـ إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله – تعالى- وهي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات( ), وفي خطط المقريزى المتوفى عام 845هـ، أن عبد الله بن سبأ قام من زمن على مُحدثًا القوم بالوصية والرجعة والتناسخ( ), وأما المصادر الشيعية التي ذكرت ابن سبأ، فقد روى الكشى عن محمد بن قولوية، قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثني يعقوب بن يزيد، ومحمد بن عيسى، عن على بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب الأزدى، عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ، أنه ادّعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله أمير المؤمنين عبدًا طائعًا، الويل لمن كذب علينا، وإن قومًا يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم( ), والرواية عند الشيعة من حيث السند صحيحة( ).
وفي كتاب الخصال أورد القمى الخبر نفسه، ولكن موصولاً بسند آخر، وأما صاحب روضات الجنات فقد ذكر ابن سبأ على لسان الصادق المصدوق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير وإذاعة الأسرار والتأويل( ), وقد ذكر الدكتور سليمان العودة في كتابه مجموعة من النصوص التي تزخر بها كتب الشيعة ومروياتهم عن عبد الله بن سبأ، فهي أشبه ما تكون وثائق مسجلة تدين من حاول من متأخري الشيعة إنكار عبد الله بن سبأ، أو التشكيك في أخباره، بحجة قلة، أو ضعف المصادر التي حكت أخباره( ).
إن شخصية ابن سبأ حقيقة تاريخية لا لبس فيها في المصادر السنية والشيعية المتقدمة والمتأخرة على السواء، وهي كذلك أيضًا عند غالبية المستشرقين أمثال: يوليوس فلهاوزن( ), وفان فولتن( ), وليفي ديلافيد( ), وجولد تسيهر( ), ورينولد نكلسن( ), وداويت رونلدس( )..على حين يبقى ابن سبأ محل شك أو مجرد خرافة عند فئة قليلة من المستشرقين أمثال: كيتاني وبرنارد لويس( ), وفريد لندر المتأرجح( ), علمًا بأننا لا نعتد بهم في أحداث تاريخنا.
ومن يستقرئ المصادر، سواء القديمة والمتأخرة، عند السنة والشيعة، يتأكد له بأن وجود ابن سبأ كان وجودًا تؤكده الروايات التاريخية، وتفيض فيه كتب العقائد، وذكرته كتب الحديث، والرجال والأنساب، والأدب، واللغة، وسار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين والمحدثين، يبدو أن أول من شك في وجود ابن سبأ المستشرقون، ثم دعّم هذا الطرح الغالبية من الشيعة المعاصرين بل وأنكر بعضهم وجوده ألبتة، وبرز من الباحثين العرب المعاصرين من أعجب بآراء المستشرقين، ومن تأثر بكتابات الشيعة المحدثين، ولكن هؤلاء جميعًا ليس لهم ما يدعمون به شكهم وإنكارهم إلا الشك ذاته، والاستناد إلى مجرد الهوى والظنون والفرضيات( ), ومن أراد التوسع في معرفة المراجع والمصادر السنية والشيعية والاستشراقية التي ذكرت ابن سبأ فليراجع تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور محمد أمحزون، وعبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام، للدكتور سليمان بن حمد العودة. (2) دور عبد الله بن سبأ في تحريك الفتنة: في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان – رضي الله عنه – بدت في الأفق سمات الاضطراب في المجتمع الإسلامي نتيجة عوامل التغيير التي ذكرناها، وأخذ بعض اليهود يتحينون فرصة الظهور مستغلين عوامل الفتنة ومتظاهرين بالإسلام واستعمال التقية، ومن هؤلاء عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء، وإذا كان ابن سبأ لا يجوز التهويل من شأنه كما فعل بعض المغالين في تضخيم دوره في الفتنة( ), فإنه كذلك لا يجوز التشكيك فيه أو الاستهانة بالدور الذي لعبه في أحداث الفتنة، كعامل من عواملها، على أنه أبرزها وأخطرها، إذ إن هناك أجواءً للفتنة مهدت له، وعوامل أخرى ساعدته، وغاية ما جاء به ابن سبأ آراء ومعتقدات ادّعاها واخترعها من قبل نفسه وافتعلها من يهوديته الحاقدة، وجعل يروجها لغاية ينشدها وغرض يستهدفه، وهو الدَّس في المجتمع الإسلامي بغية النيل من وحدته، وإذكاء نار الفتنة وغرس بذور الشقاق بين أفراده، فكان ذلك من جملة العوامل التي أدّت إلى قتل أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – وتفرق الأمة شيعًا وأحزابًا( ), وخلاصة ما جاء به أن أتى بمقدمات صادقة وبنى عليها مبادئ فاسدة راجت لدى السذج الغلاة وأصحاب الأهواء من الناس، وقد سلك في ذلك مسالك ملتوية لبّس فيها على من حوله حتى اجتمعوا عليه، فطرق باب القرآن بتأولّه على زعمه الفاسد حيث قال: لَعجَب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمدًا يرجع، وقد قال تعالى: +إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" [القصص:85] فمحمد أحق بالرجوع من عيسى( )، كما سلك طريق القياس الفاسد من ادعاء إثبات الوصية لعلى- رضي الله عنه – بقوله: إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصى، وكان على وصى محمد ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلى خاتم الأوصياء( ), وحينما استقر الأمر في نفوس أتباعه انتقل إلى هدفه المرسوم، وهو خروج الناس على الخليفة عثمان – رضي الله عنه -، فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم حيث قال لهم: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله × ووثب على وصىّ رسول الله × وتناول أمر الأمة؟ ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصىّ رسول الله فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدءوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تستميلوا الناس وادعوا إلى هذا الأمر( ), وبث دعاته، وكاتب من كان في الأمصار، وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون، فيقرؤه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة، وأوسعوا الأرض إذاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسترون غير ما يبدون، فيقول أهل مصر: إنّا لفي عافية مما فيه الناس( ).
ويظهر في النص الأسلوب الذي اتبعه ابن سبأ، فهو أراد أن يوقع في أعين الناس بين اثنين من كبار الصحابة، حيث جعل أحدهما مهضوم الحق وهو على، وجعل الثاني مغتصبًا وهو عثمان، ثم حاول بعد ذلك أن يحرك الناس – خاصة في الكوفة- على أمرائهم باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فجعل هؤلاء يثورون لأصغر الحوادث على ولاتهم، علمًا بأنه ركز في حملته هذه على الأعراب الذين وجد فيهم مادة ملائمة لتنفيذ خطته، فالقرَّاء منهم استهواهم عن طريق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأصحاب المطامع منهم هيّج أنفسهم بالإشاعات المغرضة المفتراة على عثمان؛ مثل تحيزه لأقاربه وإغداق الأموال من بيت مال المسلمين عليهم، وأنه حمى الحمى لنفسه إلى غير ذلك من التهم والمطاعن التي حرك بها نفوس الغوغاء ضد عثمان- رضي الله عنه- مع براءته، ثم إنه أخذ يحض أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مصرهم إلى بقية الأمصار، وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال بلغ من السوء ما لا مزيد عليه، والمستفيد من هذه الحال هم السبئية، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي( ), هذا وقد شعر عثمان – رضي الله عنه – بأن شيئًا ما يحاك في الأمصار وأن الأمة تمخض بشر فقال: والله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها( ).
على أن المكان الذي رتع فيه ابن سبأ هو مصر، وهناك أخذ ينظم حملته ضد عثمان – رضي الله عنه -، ويحث الناس على التوجه إلى المدينة لإثارة الفتنة بدعوى أن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، ووثب على وصى رسول الله × يقصد( ) عليًا، وقد غشهم بكتب ادّعى أنها وردت من كبار الصحابة حتى إذا أتى هؤلاء الأعراب المدينة المنورة واجتمعوا بالصحابة لم يجدوا منهم تشجيعًا، حيث تبرءوا مما نسب إليهم من رسائل تؤلب الناس على عثمان( ), ووجدوا عثمان مقدرًا للحقوق، بل وناظرهم فيما نسبوا إليه، ورد عليهم افتراءهم وفسّر لهم صدق أعماله، حتى قال أحد زعمائهم وهو مالك ابن الأشتر النخعى: لعله مُكر به وبكم( ). ويعتبر الذهبي أن عبد الله بن سبأ المهيج للفتنة بمصر وباذر بذور الشقاق والنقمة على الولاة ثم على أمير المؤمنين عثمان فيها( ), ولم يكن ابن سبأ وحده، وإنما كان عمله ضمن شبكة من المتآمرين وأخطبوط من أساليب الخداع والاحتيال والمكر وتجنيد الأعراب والقراء وغيرهم، ويروى ابن كثير أن أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ وذهابه إلى مصر وإذاعته بين الناس كلامًا اخترعه من عند نفسه، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر( ).
إن المشاهير من المؤرخين والعلماء من سلف الأمة وخلفها يتفقون على أن ابن سبأ ظهر بين المسلمين بعقائد وأفكار وخطط سبئية، ليلفت المسلمين عن دينهم وطاعة إمامهم ويوقع بينهم الفرقة والخلاف، فاجتمع إليه من غوغاء الناس ما تكوّنت به الطائفة السبئية المعروفة التي كانت عاملاً من عوامل الفتنة المنتهية بمقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وما ترتب على قتله من فتن كمعركتي الجمل وصفين وغيرهما. والذي يظهر من خطط السبئية أنها كانت أكثر تنظيمًا، إذ كانت بارعة في توجيه دعايتها ونشر أفكارها لامتلاكها ناصية الدعاية والتأثير بين الغوغاء والرعاع من الناس، كما كانت نشيطة في تكوين فروع لها سواء في البصرة أم في الكوفة أم في مصر، مستغلة العصبية القبلية، ومتمكنة من إثارة مكامن التذمر عند الأعراب والعبيد والموالي، عارفه بالمواضع الحساسة في حياتهم وبما يريدون( ).
| |
| | | saso0o نائبة المدير
المشاركات : 3914 الجنـس : الـعـمــر : 36 السٌّمعَة : 93 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي : هوايـتـي :
| موضوع: رد: تاريخ الفتنة الإسلامية الكبرى بين علي ومعاوية الأحد نوفمبر 13, 2011 7:42 pm | |
| حقيقة الخلاف بين الصحابة في معركتي الجمل وصفين وقضية التحكيم (2)
ثانيًا: اختلاف الصحابة في الطريقة التي يؤخذ بها القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه: إن الخلاف الذي نشأ بين أمير المؤمنين على من جهة، وبين طلحة والزبير وعائشة من جهة أخرى، ثم بعد ذلك بين على ومعاوية لم يكن سببه ومنشؤه أن هؤلاء كانوا يقدحون في خلافة أمير المؤمنين علي وإمامته وأحقيته بالخلافة والولاية على المسلمين، فقد كان هذا محل إجماع بينهم. قال ابن حزم:ولم ينكر معاوية قط فضل علىّ واستحقاقه الخلافة، ولكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان – رضي الله عنه – على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان(1). وقال ابن تيمية: ومعاوية لم يدّع الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل عليًا، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه، ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدئوا عليًا وأصحابه بالقتال، ولا فعلوا(2)...وقال أيضًا:...وكل فرقة من المتشيعين مقرّة مع ذلك بأن معاوية ليس كفئًا لعلى بالخلافة، ولا يكون خليفة مع إمكان استخلاف على، فإن فضل على وسابقته وعلمه ودينه وشجاعته وسائر فضائله كانت عندهم ظاهرة معلومة كفضل إخوانه أبى بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم(3). إن منشأ الخلاف لم يكن قدحًا في خلافة أمير المؤمنين علىّ – رضي الله عنه- وإنما اختلافهم في قضية الاقتصاص من قتلة عثمان، ولم يكن خلافهم في أصل المسألة، وإنما كان في الطريقة التي تعالج بها هذه القضية، إذ كان أمير المؤمنين على موافقًا من حيث المبدأ على وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان، وإنما كان رأيه أن يرجئ الاقتصاص من هؤلاء إلى حين استقرار الأوضاع وهدوء الأمور واجتماع الكلمة (4), قال النووي: واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام: قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ، فوجب عليهم نصرته، وقتال الباغي فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده، وقسم عكس هؤلاء: ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدتهم وقتال الباغي عليه، وقسم ثالث: اشتبهت عليهم القضية، وتحيروا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين، وأن الحق معه، لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليه(5). ثالثًا: خروج الزبير وطلحة وعائشة ومن معهم إلى البصرة للإصلاح: قدم طلحة والزبير إلى مكة ولقيا عائشة – رضي الله عنهم جميعًا – وكان وصولهما إلى مكة بعد أربعة أشهر من مقتل عثمان تقريبًا، أي في ربيع الآخر من عام36هـ (6)، ثم بدأ التفاوض في مكة مع عائشة، رضي الله عنها، للخروج، وقد كانت هناك ضغوط نفسية كبيرة على أعصاب الذين وجدوا أنفسهم لم يفعلوا شيئًا لإيقاف عملية قتل الخليفة المظلوم، فقد اتهموا أنفسهم بأنهم خذلوا الخليفة وأنه لا تكفير لذنبهم هذا – حسب قولهم- إلا الخروج للمطالبة بدمه، علمًا بأن عثمان هو الذي نهى كل من أراد أن يدافع عنه في حياته تضحية في سبيل الله، فعائشة تقول: إن عثمان قُتل مظلومًا والله لأطالبن بدمه (7), وطلحة يقول: إنه كان منى في عثمان شيء ليس توبتي إلا أن يسفك دمي في طلب دمه(8), والزبير يقول: نُنهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يَبْطل، فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدًا، إذا لم يُفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب(9). فهذا الإحساس الضاغط على الأعصاب والنفوس كان كفيلاً بأن يحرك الناس ويخرجهم من راحتهم واستقرارهم، بل كانوا يخرجون وهم يدركون أنهم يخرجون إلى أهوال قادمة مجهولة، فكل واحد منهم خرج من بيته وهو غير متوقع العودة مرة أخرى؛ فشيعة أولاده بالبكاء وسمي يوم خروجهم من مكة نحو البصرة بيوم النحيب، فلم يُرَ يوم كان أكثر باكيًا على الإسلام، أو باكيًا له من ذلك اليوم(10). لقد توافرت مجموعة من العوامل في مكة جعلتهم يفكرون في طريقة جادة لتحقيق مطلبهم، ومن هذه العوامل: أن بنى أمية قد هربوا من المدينة واستقروا في مكة، ومنها: أن عبد الله بن عامر – أمير البصرة في عهد عثمان- كان في مكة وهو يحث على الخروج ويعرض المعونة المادية، ومنها: أن يعلى بن أمية الذي خرج من اليمن لإعانة الخليفة عثمان وصل إلى مكة، وقد قتل الخليفة ومع من المال والسلاح والدواب شيء لا بأس به، فعرض كل ذلك للمساعدة في قتل عثمان، فكان هذا كفيلاً لتشجيع الباحثين عن طريقة لمطاردة قتلة عثمان، وما دامت العوامل قد توافرت لجمع قوة تطالب بدم عثمان فمن أين يبدءون؟ دار حوار بينهم حول الجهة التي يتوجهون إليها فقال بعضهم – على رأسهم السيدة عائشة-:إن المدينة هي وجهتهم، وظهر رأى آخر يطلب التوجه إلى الشام ليتجمعوا معًا ضد قتلة عثمان، وبعد نظر طويل قرَّ رأيهم على البصرة، لأن المدينة فيها كثرة ولا يقدرون على مواجهتهم لقلتهم، ولأن الشام صار مضمونًا لوجود معاوية، ومن ثم يكون دخولهم البصرة أولى في هذه الخطة لأنها أقل البلدان قوة وسلطة، ويستطيعون من خلالها تحقيق خطتهم(11), وكانت خطتهم ومهمتهم واضحة سواء قبل خروجهم، أو أثناء طريقهم، أو عند وصولهم إلى البصرة وهي: المطالبة بدم عثمان، والإصلاح، وإعلام الناس بما فعل الغوغاء، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر(12), وأن هذا المطلب هو لإقامة حد من حدود الله(13), وأنه إذا لم يؤخذ على أيدي قتلة عثمان – رضي الله عنه- فسيكون كل إمام معرضًا للقتل من أمثال هؤلاء(14), وأما الطريقة التي تصورها فهي الدخول إلى البصرة ثم الكوفة، والاستعانة بأهلها على قتلة عثمان منهم أو من غيرهم ثم يدعون أهل الأمصار الأخرى لذلك حتى يُضيقوا الخناق على قاتلي عثمان الموجودين في جيش علىّ فيأخذونهم بأقل قدر ممكن من الضحايا(15). لم يكن الخروج إلى البصرة والغضب الذي حرك الصحابة من البساطة التي ظهرت للناس كثأر لعثمان، رضي الله عنه، وكأنه رجل من عوام الناس قُتل، فخرجت الجيوش في الطلب له بثأره، رغم كونه حدًا من حدود الله يستوجب الغضب ويستدعى حدوث ذلك، ولكن مكانة عثمان وشخصيته ومكانته المعنوية كخليفة، وقتله بالصورة التي تمت، كان فوق ذلك، ومعه اغتيال لصفة شرعية هي «الخلافة» التي يفهمها المسلمون: نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين، وسياسة الدنيا به(16), فالاعتداء عليها دون وجه حق اعتداء على صاحب الشرع وتوهين لسلطانه، وضياع لنظام المسلمين(17). كانت السيدة عائشة والزبير وطلحة ومن معهم يسعون لإيجاد رأى إسلامي عام في مواجهة الطغمة السبئية التي قتلت عثمان، وأصبحت ذات شوكة لا يستهان بها، وذلك من خلال تعريف المسلمين بما أتى هؤلاء السبئيون والغوغاء من أهل الأمصار ونزّاع القبائل، ومن ظاهرهم من الأعراب والعبيد، فلقد بات واضحًا عند الصحابة من الفريق الذي كان يرى رأي عائشة – رضي الله عنها- أن الغوغاء والسبئيين لهم وجود في جيش علىّ، وأنه لأجل ذلك فإن عليًا- رضي الله عنه – يصعب عليه مواجهتهم، خشية منه على أهل المدينة، ومن ثم فإنه ينبغي عليهم أن يحاولوا السعي لإفهام المسلمين، وتقوية الجانب المطالب بإقامة الحدود، لتتم إقامتها بأقل الخسائر في دماء الأبرياء، وهو هدف لا نشك أن عليًا كان يسعى إليه، ويحاوله، بل إن الروايات التي مرت معنا في المحاورة بين الزبير وطلحة وعلىّ تدل على ذلك، ثم إن هذا السلوك منهم، وهذه النية في تعريف الناس، وتوضيح الأمور لهم، دليل على وعى تام منهم بأساليب السبئية في اللعب بأفكار العامة، وتوجيهها على النحو الذي ينخر في الأمة حتى لا تستقر على حال، فكان لابد من موجهتها في ميدان الأفكار، لإبطال عملها، ولقد تبين هذا العمل واضحًا، وصريحًا في الروايات الصحيحة(18), التي تحدثت فيها السيدة عائشة – رضي الله عنها- عن أهداف هذا الخروج، فروى الطبري أن عثمان بن حنيف – وهو والى البصرة من قبل أمير المؤمنين على بن أبى طالب – أرسل إلى عائشة – رضي الله عنها – عند قدومها البصرة يسألها عن سبب قدومها، فقال: والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم، ولا يغطى لبنية الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار، ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله × وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر؛ فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجنود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم، ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين، ولا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أُعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت +لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ" [النساء:114]، فنهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله × الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به وتحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره(19). وروى ابن حبان أن عائشة – رضي الله عنها – كتبت إلى أبى موسى الأشعري – والى علىّ على الكوفة-: فإنه قد كان من قتل عثمان ما قد علمت، وقد خرجت مصلحة بين الناس، فمر من قبلك بالقرار في منازلهم، والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبون من صلاح أمر المسلمين(20). ولما أرسل علىُّ القعقاع بن عمرو لعائشة ومن كان معها يسألها عن سبب قدومها، دخل عليها القعقاع فسلم عليها، وقال: أي أُمه، ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بنى، إصلاح بين الناس(21). وبعد انتهاء الحرب يوم الجمل جاء علىٌّ إلى عائشة – رضي الله عنها – فقال لها: غفر الله لك. قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح(22). فتقرر أنها ما خرجت إلا للإصلاح بين الناس، وفيه رد على من طعن في عائشة – رضي الله عنها – من الشيعة الرافض في قولهم: إنها خرجت من بيتها وقد أمرها الله بالاستقرار فيه في قوله: +وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى" [الأحزاب:33]، فإن سفر الطاعة لا ينافي القرار في البيت وعدم الخروج منه إجماعًا، وهذا ما كانت تراه أم المؤمنين – عائشة – في خروجها للإصلاح للمسلمين وكان معها محرمها ابن أختها عبد الله بن الزبير(23). قال ابن تيمية في الرد على الرافضة في هذه المسألة: فهي – رضي الله عنها – لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافى الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفره، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي × وقد سافر بهن رسول الله × بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة – رضي الله عنها – وغيرها، وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي × بأقل من ثلاثة أشهر، بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي × يحججن بعده كما كن يحججن معه، في خلافة عمر – رضي الله عنه – وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان، أو عبد الرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزًا، فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في ذلك(24). ويقول ابن العربي: وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت للخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت مقتدية بالله في قوله: +لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ" [النساء:114]. والأمر بالإصلاح، مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى حر أو عبد(25). وهذه بعض الأمور المهمة في خروجها: 1- هل أُكرهت السيدة عائشة على الخروج؟ زعم اليعقوبي أن الزبير بن العوام أكره السيدة عائشة على الخروج(26), وقال بهذا القول صاحب الإمامة والسياسة(27), وابن أبى الحديد(28), وكذلك فعل الدينورى(29), وألمحت الرواية التي ذكرها الذهبي بأن المتسلط عليها هو عبد الله بن الزبير(30) – ابن أختها أسماء – وسار على هذه الروايات كثير من الباحثين، كمحمد سيد الوكيل(31)؛ فقد زعم أن الزبير وطلحة شجعا عائشة على الخروج، وزاهية قدورة(32) وغيرهما، وهذا غير صحيح، فقد قامت السيدة عائشة بالمطالبة بثأر عثمان منذ اللحظة التي علمت فيها بمقتله- رضي الله عنه – وقبل أن يصل الزبير وطلحة وغيرهما من كبار الصحابة إلى مكة؛ ذلك أنه قد روى أنها لما انصرفت راجعة إلى مكة أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي فقال: ما ردك يا أم المؤمنين؟ قالت: ردّني أن عثمان قُتل مظلومًا، وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر، فاطلبوا دم عثمان تعزُّوا الإسلام. فكان عبد الله أول من أجابها33), ولم يكن طلحة والزبير قد خرجا من المدينة، وإنما خرجا منها بعدما مر على مقتل عثمان أربعة أشهر(34). 2- هل كانت متسلطة على من معها؟: كان فيمن خرج معها – رضي الله عنها- جمع من الصحابة(35), ولم تكن السيدة عائشة المرأة المتسلطة التي تحرك الناس حيث شاءت – كما زعم بروكلمان(36), ولقد أكدت روايات الطبري تأييد أمهات المؤمنين لها، ولمن معها في السعي للإصلاح، بل وتأييد عدد غير قليل من أهل البصرة لها(37), وكان هذا العدد غير القليل ممن لا يستهان بهم، فلقد وصفهم طلحة والزبير بأنهم خيار أهل البصرة ونجباؤهم(38), ووصفتهم السيدة عائشة بأنهم الصالحون(39), وما كان خروج هذا العدد من الصالحين إلا عن اعتقاد راسخ بجدوى هذا الخروج وصواب مقصده، وكان أمير المؤمنين يعلم هذا، ويرد الزعم الذي زعمه البعض من أن الخارجين مع السيدة عائشة كانوا جموعًا من السفهاء والغوغاء والأوباش(40), فلقد وقف أمير المؤمنين بعد معركة الجمل بين القتلى من فريق عائشة، يترحم عليهم ويذكر فضلهم(41). وسيأتي بيان ذلك أنه لم يكن خروجًا غوغائيًا، تحكمت فيه السيدة عائشة في أناس غير راشدين، بل كان خروجًا واعيًا شارك فيه بعض الصحابة الكبار(42). 3- موقف أزواج النبي × من الخروج للطلب بدم عثمان:كانت أزواج النبي × قد خرجن إلى الحج في هذا العام فرارًا من الفتنة، فلما بلغ الناس بمكة أن عثمان قد قُتل أقمن بمكة، وكن قد خرجن منها فرجعن إليها، وجعلن ينتظرون ما يصنع الناس ويتحسسن الأخبار، فلما بويع علىّ خرج عدد من الصحابة من المدينة كارهين المقام بها بسبب الغوغاء من أهل الأمصار، فاجتمع بمكة منهم خلق كثير من الصحابة وأمهات المؤمنين(43), وكانت بقية أمهات المؤمنين قد وافقن عائشة على السير إلى المدينة، فلما اتفق رأى عائشة ومن معها من الصحابة على السير إلى البصرة، رجعن عن ذلك وقلن: لا نسير إلى غير المدينة(44). كان الخروج في أمر عثمان إذن غير مختلف عليه بين أمهات المؤمنين، لكنهن اختلفن حين تغيرت الوجهة من المدينة إلى البصرة، غير أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر – رضي الله عنها – وافقت عائشة على السير إلى البصرة، وإنما عزم(45) عليها أخوها عبد الله كي لا تخرج، فلم يكن عدم خروجها ناتجًا عن اقتناع منها(46), وقالت لعائشة: إن عبد الله حال بيني وبين الخروج، وأرسلت إلى عائشة بعذرها(47). وتكاد الروايات الشائعة تبدى أن أم سلمه – رضي الله عنها – لم تكن ترى رأى عائشة ومن معها في الخروج إلى البصرة، وأنها كانت ترى ما يراه على(48), غير أن أقرب الروايات إلى الصحة هي أنها أرسلت إلى علىًّ ابنها عمر بن أبى سلمه قائلة: والله لهو أعز على من نفسي، يخرج معك فيشهد مشاهدك. فخرج فلم يزل معه(49). وهي رواية عند التحقيق لا يتبين لنا منها أن هذا الإرسال لابنها يعنى أنها كانت تخالف أمهات المؤمنين في القول بالإصلاح بين المسلمين، فعائشة نفسها ومن معها لم يكونوا يرون أنهم بهذا الخروج يخالفون عليًا – رضي الله عنه – أو يخرجون على خلافته كما رأينا، وكما سوف تؤكد لنا الأحداث، كما أننا لم نجد في الروايات الصحيحة ما يدل على خروجها على إجماع أمهات المؤمنين في أهمية السعي للإصلاح(50), وكانت أمهات المؤمنين يعلمن أن هذا الخروج في الإصلاح بين المسلمين مما يدخل في معنى الفرض الكفائى، والضابط فيه أن الطلب فيه ليس متوجهًا إلى جميع المكلفين، بل هو إلى ما فيه أهلية القيام به، لا على الجميع عمومًا، ولقد كانت أهلية القيام بهذا الإصلاح بين المسلمين متوافرة تمامًا في السيدة عائشة: مكانة وسنًا وعلمًا وقدرة، وكانت عائشة أكثرهن فقهًا بإجماع جمهور المسلمين(51), كما أنها كانت تهتم بالأمور العامة، فكانت صاحبة شخصية ثقافية واسعة، تكونت منذ نشأتها في بيت أبى بكر العالم بأيام العرب وأنسابهم، ومن عيشها في بيت رسول الله × الذي خرجت منه أسس سياسة الدولة الإسلامية، ثم هي بنت الخليفة الأول للمسلمين، وقد أكد العلماء هذه المكانة للسيدة عائشة، فقد قال عروة بن الزبير: لقد صحبت عائشة، فما رأيت أحدًا قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة ولا بسنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا، ولا بكذا..ولا بقضاء، ولا بطب منها(52). وكان الشعبي يذكرها فيتعجب من فقهها وعلمها، ثم يقول: ما ظنكم بأدب النبوة؟! وكان عطاء يقول: كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة(53). وكان الأحنف بن قيس سيد بنى تميم، وأحد بلغاء العرب يقول: سمعت خطبة أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، والخلفاء بعدهم..فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم، ولا أحسن منه في عائشة. وكان معاوية يقول مثل هذا(54).هذا وقد خرج أمهات المؤمنين مودعات للسيدة عائشة حين خرجت للبصرة، وفي ذلك معنى من معاني المعاونة والتشجيع لها على أمرها(55). 4- مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب: ثبت مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب من طرق صحيحة؛ فعن يحيى بن سعيد بن القطان، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس ابن حازم أن رسول الله × قال لأزواجه: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب»(56).ومن طريق شعبة عن إسماعيل ولفظ شعبة: أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله × قال لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب. فقال لها الزبير: أترجعين؟ عسى الله عز وجل أن يُصلح بك بين الناس(57).وبهذا اللفظ أخرجه يعلى بن عبيد عن إسماعيل، وهو عند الحاكم(58), وقال الألباني: إسناده صحيح جدًا وقال: صححه من كبار أئمة الحديث: ابن حبان، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر(59). فهذه الروايات الصحيحة، ليس فيها شيء من شهادة الزور أو التدليس الذي يتنزه عنه مقام الصحابة والذي زعمته الروايات الضعيفة(60) التي سيأتي بيانها. إن المتأمل لهذه الروايات التي صححها العلماء لا يجد في أي منها ما يدل على نهى عن شيء، أو أمر بشيء لتفعله السيدة عائشة، بل إن ما يفهم منها هو تساؤله عن أيتهن التي يحدث أن تمر على ماء الحوأب؟ والروايات الدالة على النهى، والتي بها لفظة إياك في الأثر الوارد: «إياك أن تكوني يا حميراء»(61) لم يصححها العلماء، وإنما ضعفت، ومن هنا فإن الصحيح الذي نذهب إليه هو أن مرور السيدة عائشة على ماء الحوأب لم يكن له الأثر السلبي الذي افتعلته الروايات الموضوعة، ولم يكن له الأثر البعيد على السيدة عائشة نفسها بحيث تفكر جديًّا في الرجوع عما خرجت له من إصلاح بين المسلمين، وسعى لتسديد خطاهم، ولم يعد الأمر أن يكون «ظنًا» منها في احتمال الرجوع، وهذا هو ما عبرت عنه حين قالت: ما أظنني إلا راجعة وهو ظن لم يتلبث إلا يسيرًا ثم عاد هدفها واضحًا بعدما ذكرها الزبير بما عسى الله أن يجريه على يديها من إصلاح بين المسلمين(62), لقد كانت وما زالت مسألة ماء الحوأب(63) والأحاديث المذكورة فيها مجالاً خصبًا للشيعة وغيرهم يطعنون بها على أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – ويدينون بها خروجها في شأن الطلب بدم عثمان، حتى انتهى بهم الأمر إلى نفى صفة الاجتهاد عنها، بدعوى مخالفتها – في زعمهم – لنهى الرسول × لها عن أن ترد ماء الحوأب، وقد ذكرت المصادر التاريخية هذه القصة، فقد جاءت عند الطبري في رواية طويلة، يرويها إسماعيل بن موسى الفزاري قال عنه ابن عدى: أنكروا منه الغلو والتشيع(64). ويروى الفزارى هذا الخبر عن على بن عابس الأزرق، وهو ضعيف قاله ابن حجر والنسائي(65), وهو يروى هذا الخبر عن الخطاب الهجري وهو مجهول(66), وهذا الهجري المجهول، يرويه عن مجهول آخر هو صفوان بن قبيعة الأحمسى(67), ثم أخيرًا عن شخصية أشد جهالة هي شخصية العزنى صاحب الجمل، وما هو بصاحب الجمل، وإنما صاحبه هو يعلى بن أمية(68). وفي متن هذه الرواية ما يجد القارئ من رائحة التشيع والرفض الواضحة في آخر الرواية، حيث تزعم على لسان علىًّ أنه كان – رضي الله عنه – يرى أحقيته بالخلافة على أبى بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – والصحيح الثابت من الروايات المحققة يدل على خلا ذلك تمامًا(69). وعلى أساس كل ما سبق يتضح لنا أن هذه الرواية غير صحيحة(70), وهناك روايات أخرى وردت في هذا الموضوع، كلها باطلة سندًا ومتنًا، ومغزى هذه الروايات وهدفها هو الطعن على كبار الصحابة وفضلائهم، وبيان أن مقصدهم من خروجهم هذا، هو تحقيق مطامع دنيوية شخصية من مال ورئاسة وغيرها، وأن الغاية تبرر الوسيلة، وأنهم لا يتورعون في سبيل ذلك عن إشعال الحرب والفتنة بين المسلمين، وتركز الروايات على الصحابيين الجليلين طلحة والزبير – رضي الله عنهما -(71), كما يريد مفتري هذه الروايات أن يبين ويؤكد أن هذين الصحابيين ومن معهما من أفراد المعسكر يتجرءون على انتهاك حرمات الله؛ فهم يقسمون ويحلفون لأم المؤمنين بأيمان مغلظة أن هذا ليس ماء الحوأب، وزيادة على ذلك أتوا بسبعين نفسًا – وفي رواية بخمسين نفسًا – يشهدون على صدق قولهم، فكان هذا العمل – كما افترى المسعودي الشيعي الرافضي – أول شهادة زور في الإسلام(72). وتحاول هذه الروايات أن تظهر أن طلحة والزبير وأم المؤمنين – رضي الله عنهم- ليسوا على شيء من صفاء القلوب والاجتماع على هدف واحد، وتحاول أن تظهر أن عائشة – رضي الله عنها – بجانب طلحة – رضي الله عنه – وفي قرارة نفسها أن يتولى هو الخلافة، وذلك لأنه تيمي مثلها، كما تظهر هذه الروايات أن هناك تنافسًا داخليًا بين طلحة والزبير، وحرصًا من كل واحد منهما أن يتولى الإمارة، وهذه الروايات لا تخلو من ضعف قوى، فبعضها منقطع السند أو فيها مجاهيل لا يعرفون، أو فيها كلا العيبين الفادحين(73). ولقد تأثر كثير من الكتاب والمؤرخين بهذه الروايات واعتمدوا عليها وأسهموا في نشرها، وهي لا أساس لها، كالعقاد في عبقرية على، وطه حسين في على وبنوه(74), وغيرهما من الكتاب المعاصرين. 5- أعمالهم في البصرة: عندما وصل طلحة والزبير وعائشة – رضي الله عنهم – ومن معهم إلى البصرة نزلوا جانب الخريبة(75), ومن هناك أرسلوا إلى أعيان وأشراف القبائل يستعينون بهم على قتلة عثمان، كان كثير من المسلمين في البصرة وغيرها، يودون ويرغبون في القود من قتلة عثمان – رضي الله عنه – إلا أن بعض هؤلاء يرون أن هذا من اختصاص الخليفة وحده، وأن الخروج في هذا الأمر بدون أمره وطاعته معصية، ولكن خروج هؤلاء الصحابة المشهود لهم بالجنة، وأعضاء الشورى ومعهم أم المؤمنين عائشة حبيبة رسول الله × وأفقه النساء مطلقًا، ومطلبهم الشرعي لا غبار عليه ولا ينكره صحابي واحد، جعل الكثير من البصريين على اختلاف قبائلهم ينضمون إليهم، وأرسل الزبير إلى الأحنف بن قيس السعدي التميمي يستنصره على الطلب بدم عثمان، والأحنف من رؤساء تميم وكلمته مسموعة، يقول الأحنف واصفًا هول الموقف:..فأتاني أفظع أمر أتاني قط فقلت: إن خذلاني هؤلاء ومعهم أم المؤمنين وحواري رسول الله × لشديد(76) إلا أنه اختار الاعتزال، فاعتزل معه ستة آلاف ممن أطاعه من قومه، وعصاه في هذا الأمر كثير منهم، ودخلوا في طاعة طلحة والزبير وأم المؤمنين(77). ويذكر الزهري أن عامة أهل البصرة تبعوهم(78), وهكذا انضم إلى طلحة والزبير وعائشة ومن معهم أنصار جدد لقضيتهم التي خرجوا من أجلها.وقد حاول ابن حنيف تهدئه الأمور والإصلاح قدر المستطاع إلا أن الأمور خرجت من يده حتى قال أحدهم عن البصرة: قطعة من أهل الشام نزلت بين أظهرنا(79). وحتى إن معاوية فيما بعد حاول الاستيلاء عليها بمساعدة أهلها(80). وتذكر بعض المصادر غير الموثقة أن عثمان بن حنيف رخص لحكيم بن جبلة في القتال، وهذا لا يثبت، والمصادر الصحيحة لم تثبت ذلك(81). 6- مقتل حُكَيم بن جبلة ومن معه من الغوغاء: أقبل حُكَيم بن جبلة بعدما خطبت عائشة – رضي الله عنها – في أهل البصرة، فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة وطلحة والزبير – رضي الله عنهم – رماحهم وأمسكوا ليمسكوا، فلم ينته حكيم ومن معه، ولم يثن، وظل يقاتلهم، وطلحة والزبير كافُّون إلا ما دافعوا عن أنفسهم، وحكيم يذمر(82) خيله ويركبهم بها(83), وعلى الرغم من ذلك، فإنه عائشة – رضي الله عنها – ظلت حريصة على عدم إنشاب القتال، فأمرت أصحابها أن يتيامنوا بعيدًا عن المقاتلين، وظلوا على ذلك حتى حجز الليل بينهم(84), حتى إذا كان الصباح جاء حكيم بن جبلة وهو يبربر، وفي يده الرمح، وفي طريقه إلى حيث عائشة – رضي الله عنها – ومن معها، جعل حكيم لا يمر برجل أو امرأة ينكر عليه أن يسب عائشة إلا قتله(85), وعندئذ غضبت عبد القيس إلا من كان اغتُمر(86) منهم، فقالوا لحكيم: فعلت بالأمس وعدت لمثل ذلك اليوم، والله لا نَدَعُك حتى يقيدك الله(87), فرجعوا وتركوه، ومضى حكيم بن جبلة فيمن غزا معه عثمان بن عفان – رضي الله عنه- وحصره من نزاع القبائل كلها، فلقد كانوا قد عرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة، فاجتمعوا إليه، ووافقوا أصحاب عائشة، فاقتتلوا قتالاً شديدًا(88), وظل منادى عائشة – رضي الله عنها – يناديهم ويدعوهم إلى الكفّ فيأبون(89), وجعلت – رضي الله عنها – تقول: لا تقتلوا إلا من قاتلكم. لكن حكيمًا لم يُرَع(90) للمنادى، وظل يُسَعَّر القتال، عندئذ وبعد ما تبينت للزبير وطلحة – رضي الله عنهما – طبيعة هؤلاء الذين يقاتلون، وأنهم لا يتورعون ولا ينتهون عن حرمة، وأن لهم هدفًا في إنشاب القتال، قالا: الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة، اللهم لا تبق منهم أحدًا، وأقد منهم اليوم، فاقتلهم، فجادُّوهم القتال، ونادوا: من لم يكن من قتلة عثمان – رضي الله عنه – فليكفف عنا، فإننا لا نريد إلا قتلة عثمان، ولا نبدأ أحدًا، فاقتتلوا أشد القتال(91), فلم يفلت من قتلة عثمان من أهل البصرة إلا واحد، وكان منادى الزبير وطلحة قد نادى: ألا من كان فيكم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم(92). وكان فريق من هؤلاء الجهال والغوغاء – كما قالت عائشة – قد غادوها في بيتها في الغَلَس ليقتلوها، وكانوا قد ذهبوا حتى سُدَّة بيتها، ومعهم الدليل، إلا أن الله دفع عنها بنفر من المسلمين كانوا قد أحاطوا بيتها – رضي الله عنها – فدارت عليهم الرحى وأطاف بهم المسلمون فقتلوهم(93), واستطاع الزبير وطلحة ومن معهم أن يسيطروا على البصرة وكانوا بحاجة إلى طعام ومؤنة غذائية، وقد مرت عليهم أسابيع،وهم ليسوا في ضيافة أحد، فتوجه جيش الزبير إلى دار الإمارة ومن ثم إلى بيت المال ليرزقوا أصحابهم، وأخلى سبيل عثمان بن حنيف واتجه إلى على(94)، وبذلك تمت سيطرة طلحة والزبير وأم المؤمنين – رضي الله عنهم – على البصرة وقتلوا عددًا كبيرًا ممن شارك في الهجوم على المدينة، قدر بسبعين رجلاً من أبرزهم زعيم ثوار البصرة حكيم بن جبلة، والذي كان حريصًا على القتال وإشعال الحرب، وكان الزبير أمير المؤمنين؛ فقد بويع على ذلك(95). 7- رسائل السيدة عائشة إلى الأمصار الأخرى:كانت السيدة عائشة – رضي الله عنها – حريصة على إيضاح وجه الحق فيما حدث من قتال مع أهل البصرة، فكتبت إلى أهل الشام والكوفة واليمامة، وكتبت إلى أهل المدينة أيضًَا تخبرهم بما صنعوا وصاروا إليه، وكان فيما كتبت به لأهل الشام: إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله عز وجل هو الذي يردُّنا عن ذلك. فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم، وخالفنا شرارهم ونُزَّاعهم، فردُّونا بالسلاح، وقالوا فيما قالوا: نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتْهم بالحق وحثتهم عليه، فأعطاهم الله عز وجل سنة المسلمين مرة بعد مرة، حتى إذا لم يبق حجة ولا عذر استبسل قتلة عثمان أمير المؤمنين، فلم يفلت منهم إلا حُرْقُوص بن زهير والله مقيده. وإنّا نناشدكم الله – سبحانه – في أنفسكم إلا ما نهضتم بمثل ما نهضنا به، فنلقى الله عز وجل وتلقونه وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا(96). 8- الخلاف بين عثمان بن حنيف وجيش عائشة والزبير وطلحة: روى الطبري عن أبى مخنف عن يوسف بن يزيد، عن سهل بن سعد قال: لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان ابن عثمان بن عفان إلى عائشة يستشيرونها في أمره، قالت: اقتلوه، فقالت لها امراة: نشدتك الله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله ×، قالت: ردوا أبانًا، فردُّوه، فقالت: احبسوه ولا تقتلوه. قال: لو علمت أنك تدعينني لهذا لم أرجع. فقال لهم مجاشع بن مسعود: اضربوه وانتفوا شعر لحيته، فضربوه أربعين سوطًا، ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه(97)، وفي سند هذه الرواية أبو مخنف وهو شيعي رافضي محترق، وهذه الرواية لم تثبت من طريق صحيح يمكن أن يعول عليه، والصحابة الكرام ينزهون عن مثل هذه المثلة القبيحة. والذي يفهم من رواية سيف أن الغوغاء هم الذين فعلوا ذلك، وأن طلحة والزبير – رضي الله عنهما – استشنعاه، واستعظماه وبعثا بالخبر إلى عائشة فقالت: خلوا سبيله وليذهب حيث شاء(98), وهذه الرواية عارضت تفصيلات أبى مخنف فهي لم تذكر الأمر بقتله أو حبسه أو الأمر بنتف شعر وجهه، وقد اختار هذه الرواية النويرى وابن كثير(99), وذكر الذهبي أن مجاشع بن مسعود قد قتل قبل دخول دار عثمان بن حنيف(100), وحتى لو فرض عدم قتل مجاشع بن مسعود فليست إليه القيادة حتى يصدر هذه الأوامر(101). ـــــــــــــــــــــ (1) الفصل في المل والأهواء والنحل (4/160). (2) مجموع الفتاوى (35/72). (3) مجموع الفتاوى (35/72). (4) أحداث وأحاديث فتنة الهرج ص158. (5) شرح النووي على صحيح مسلم (15/149). (6) تاريخ الطبري (5/469). (7) تاريخ الطبري (5/485). (8) سير أعلام النبلاء (1/34). (9) تاريخ الطبري (5/487). (10) تاريخ الطبري (5/487)، دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة للشجاع: ص(417). (11) تاريخ الطبري (5/476)، دراسات في عهد النبوة: ص(418). (12) تاريخ الطبري (5/489). (13) دراسات في عهد النبوة: ص(419). (14) تاريخ الطبري (5/487). (15) دراسات في عهد النبوة: ص(419). (16) مقدمة ابن خلدون: ص(191). (17) دور المرأة السياسي: ص(391). (18) دور المرأة السياسي: ص(394). (19) تاريخ الطبري (5/489). (20) الثقات لابن حبان (2/282). (21) تاريخ الطبري (5/520). (22) شذرات الذهب (1/42). (23) الانتصار للصحب والآل: ص(444). (24) منهاج السنة (4/317- 570). (25) أحكام القرآن (3/569، 570). (26) تاريخ اليعقوبي (2/180، 209). (27) الإمامة والسياسة (1/58، 69). (28) شرح نهج البلاغة (9/18). (29) الأخبار الطوال: ص(145). (30) سير أعلام النبلاء (2/193). (31) جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين: ص (526). (32) عائشة أم المؤمنين: ص (184). (33) تاريخ الطبري (5/475). (34) دور المرأة السياسي: ص (383)، تاريخ الطبري (5/469). (35) المصدر نفسه: ص(384). (36) تاريخ الشعوب الإسلامية: ص (111، 114، 117). (37) تاريخ الطبري (5/475). (38) تاريخ الطبري نقلاً عن دور المرأة السياسي: ص(385). (39) تاريخ الطبري نقلا عن دور المرأة السياسي: ص(385). (40) انظر ما قاله صاحب الإمامة والسياسة (1/57). (41) تاريخ الطبري (5/574). (42) دور المرأة السياسي: ص(385). (43) البداية والنهاية (7/241). (44) البداية والنهاية (7/241). (45) عزم عليها: أقسم عليها. (46) دور المرأة السياسي: ص (386). (47) تاريخ الطبري (5/487). (48) أنساب الأشراف (4/224). (49) أسد الغابة (4/169)، الإصابة (4/487)، دور المرأة السياسي ص (387)، المستدرك مرويات أبى مخنف: ص (257). (50) دور المرأة السياسي: ص(387). (51) سير أعلام النبلاء (2/183). (52) سير أعلام النبلاء (2/183). (53) المصدر نفسه (2/185). (54) المصدر نفسه (2/183). (55) دور المرأة السياسي: ص(389). (56) مسند أحمد (6/97). (57) مسند أحمد (6/97). (58) المستدرك (3/120). (59) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/767) رقم 474. (60) دور المرأة السياسي: ص(405). (61) قال الذهبي: كل حديث فيه يا حميراء لا يصح، سير أعلام النبلاء (2/167، 168). (62) دور المرأة السياسي: ص(406). (63) الحوأب: من مياه العرب على طريق البصرة قريب منها على طريق مكة إليها. (64) الكامل في ضعفاء الرجال (1/528)، ميزان الاعتدال (1/413). (65) تقريب التهذيب (1/697). (66) تقريب التهذيب (2/392)، دور المرأة السياسي: ص(400). (67) ميزان الاعتدال (3/434)، لسان الميزان (3/225). (68) أسد الغابة (5/486)، دور المرأة السياسي: ص(400). (69) دور المرأة السياسي: ص(402). (70) تاريخ الطبري (5/483). (71) مصنف ابن أبى شيبة (15/283) ضعيفة السند منقطعة، وأنساب الأشراف من (2/47) نفس الطريق وهذه الروايات تخالف الصحيح الثابت. (72) مروج الذهب (2/367). (73) تاريخ الطبري وفي إسنادها مجهولان، خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص(133). (74) خلافة على بن أبى طالب: ص(132). (75) موقع جانب البصرة، انظر: خطط البصرة ومنطقها 114- 122العلمي. (76) خلافة على بن أبى طالب, عبد الحميد: ص (133). (77) طبقات ابن سعد (5/456) له شواهد تقويه. (78) مصنف عبد الرزاق (5/456) بسند صحيح إلى الزهري مرسلاً. (79) الطبقات (6/333). (80) فتح الباري (13/26)، خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص(137). (81) خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص (137، 138). (82) يذمر الخيل: يحضها ويشجعها. (83) تاريخ الطبري (5/494). (84) تاريخ الطبري (5/494). (85) المصدر نفسه (5/495). (86) اغتمر: اغتمس. (87) يقيدك الله: القَوَد: القصاص، وقتل القاتل بالقتيل. (88) تاريخ الطبري (5/499). (89) تاريخ الطبري (5/499). (90) لم يرع: لم يبال. (91) تاريخ الطبري (5/499). (92) المصدر نفسه (5/501). (93) المصدر نفسه (5/503). (94) تاريخ الطبري (5/43)، خلافة على، عبد الحميد: ص (138). (95) أنساب الأشراف (2/93) بسند حسن، خلافة على بن أبى طالب، عبد الحميد: ص (139). (965) تاريخ الطبري (5/501). (97) تاريخ الطبري (5/497). (98) تاريخ الطبري (5/497). (99) نهاية الأرب (20/38)، البداية والنهاية (7/233). (100) تاريخ الإسلام للذهبي، مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري: ص (359). (101) مرويات أبى مخنف في تاريخ الطبري: ص(259). | |
| | | saso0o نائبة المدير
المشاركات : 3914 الجنـس : الـعـمــر : 36 السٌّمعَة : 93 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي : هوايـتـي :
| موضوع: رد: تاريخ الفتنة الإسلامية الكبرى بين علي ومعاوية الأحد نوفمبر 13, 2011 8:02 pm | |
| حقيقة الخلاف بين الصحابة في معركتي الجمل وصفين وقضية التحكيم (3)
د. علي الصلابي
رابعًا: خروج أمير المؤمنين على بن أبى طالب إلى الكوفة:
لم يكن الصحابة – رضي الله عنهم – في المدينة يؤيدون خروج أمير المؤمنين على بن أبى طالب من المدينة، فقد تبين ذلك حينما همّ علىّ بالنهوض إلى الشام، ليزور أهلها وينظر ما هو رأي معاوية وما هو صانع(1), فقد كان يرى أن المدينة لم تعدُ تمتلك المقومات التي تملكها بعض الأمصار في تلك المرحلة فقال: إن الرجال والأموال بالعراق(2), فلما علم أبو أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – بهذا الميل قال للخليفة: يا أمير المؤمنين، أقمت بهذه البلاد لأنها الدرع الحصينة، ومهاجرة رسول الله ×، وبها قبره ومنبره ومادة الإسلام، فإن استقامت لك العرب كنت كمن كان، وإن تشغب عليك قوم رميتهم بأعدائهم، وإن ألجئت حينئذ إلى السير سرت وقد أعذرت..، فأخذ الخليفة بما أشار به أبو أيوب وعزم المقامة بالمدينة وبعث العمال على الأمصار(3). ولكن حدث كثير من المستجدات السياسية التي أرغمت الخليفة على مغادرة المدينة، وقرر الخروج للتوجه إلى الكوفة ليكون قريبًا..من أهل الشام(4), وأثناء استعداده للخروج، بلغه خروج عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة(5), فاستنفر أهل المدينة ودعاهم إلى نصرته، وحدث تثاقل من بعض أهل المدينة بسبب وجود الغوغاء في جيش على، وطريقة التعامل معهم، فكان كثير من أهل المدينة يرون أن الفتنة ما زالت مستمرة، فلابد من التروي حتى تنجلي الأمور أكثر، وهم يقولون: لا والله ما ندري كيف نصنع، فإن هذا الأمر لمشتبه علينا ونحن مقيمون حتى يضئ لنا ويسفر..وروى الطبري أن عليًا – رضي الله عنه – خرج في تعبئته التي كان تعبي بها إلى الشام وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل(6), والأدلة على تثاقل كثير من أهل المدينة عن إجابة أمير المؤمنين للخروج كثيرة، منها: خطب الخليفة التي شكا فيها من هذا التثاقل(7), وظاهرة اعتزال كثير من الصحابة بعد مقتل عثمان كما اتضح ذلك، كما أن رجالاً من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد مقتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم(8). وقد عبر أبو حميد الساعدى الأنصاري – وهو بدري – عن ألمه لمقتل الخليفة عثمان فقال: اللهم إن لك علىّ أن لا أضحك حتى ألقاك(9). فقد كانوا يعدون الخروج من المدينة في تلك المرحلة يقود إلى الانزلاق في الفتنة التي يخشون عواقبها(10), على سلامة ما مضى لهم من جهاد مع رسول الله ×(11), وما سبق ذكره لا يعنى أنه لم يشارك أحد من الصحابة في مسيرة الخليفة، بل شارك البعض، لكنهم كانوا قليلاً، قال الشعبي: لم يشهد موقعة الجمل من أصحاب رسول الله غير على وعمار وطلحة والزبير، فإن جاءوا بخامس فأنا كذاب(12), وفي رواية: من حدثك أنه شهد الجمل ممن شهد بدرًا أكثر من أربع نفر فكذبه؛ كان على وعمار في ناحية وطلحة والزبير في ناحية(13), وفي رواية: لم ينهض مع على إلى البصرة غير ستة نفر من البدريين ليس لهم سابع(14).
وبهذا يكون المقصود في الرواية السابقة من الصحابة أهل بدر، وعلى كل حال فإن من شارك في الفتنة من الأنصار قليل. قال ابن سيرين والشعبي: وقعت الفتنة بالمدينة وأصحاب النبي × أكثر من عشرة آلاف، فما يعدون من خف فيها عشرين رجلاً؛ فسميت حرب على وطلحة والزبير وصفين فتنة(15), فيتضح مما سبق أن عدد الصحابة الذين خرجوا مع الخليفة على إلى البصرة كان قليلاً ولا يمكن الجزم بمشاركتهم في حرب الجمل، فمع شدة تلك الموقعة وكثرة أحداثها لم تذكر المصادر مشاركات الصحابة فيها أو شهداء أو جرحى(16). إن إحدى الروايات تقول: خرج معه من نشط من الكوفين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل(17). والذي يظهر من هذه الرواية أنها أقرب إلى واقع تلك المرحلة، وأكثر انسجامًا مع سير الأحداث، ومع موقف أهل المدينة الذي كان يتراوح بين الميل للعزلة والتثاقل عن المشاركة في الأحداث(18).
1- نصيحة عبد الله بن سلام لأمير المؤمنين على: حاول عبد الله بن سلام صاحب رسول الله × أن يثنى عزم أمير المؤمنين علىّ عن الخروج، فأتاه وقد استعد للمسير، وأظهر له خوفه عليه ونهاه أن يقدم على العراق قائلاً: أخشى أن يصيبك ذباب السيف، كما أخبره بأنه لو ترك منبر رسول الله ×، فلن يراه أبدًا، كان علىّ يعلم هذه الأشياء من رسول الله × فقال: وايم الله لقد أخبرني به رسول الله ×، ولكن من مع علىًّ من البصريين والكوفيين بلغت بهم الجرأة أن قالوا لعلى: دعنا فلنقتله، فقد أصبح قتل المسلمين ممن يقف في طريقهم، أو يحسون بخطره على حياتهم بالقول أو العمل أمرًا هينًا لا يرون به بأسًا، وفي قولهم وتهجمهم هذا ما يدل على قلة الورع وعدم إنزال الصحابة الكرام منازلهم التي أمر رسول الله × الناس بعده بها، ولكن عليًا – رضي الله عنه – نهاهم قائلاً: إن عبد الله بن سلام رجل صالح(19).
2- نصيحة الحسن بن على لوالده: خرج أمير المؤمنين من المدينة وعندما بلغ الربذة(20) عسكر فيها بمن معه، ووفد عليه عدد من المسلمين بلغوا المائتين(21), وفي الربذة قام إليه ابنه الحسن – رضي الله عنهما – وهو باك لا يخفى حزنه وتأثره على ما أصاب المسلمين من تفرق واختلاف، وقال الحسن لوالده: قد أمرتك فعصيتني، فتُقتل غدًا بمضيعة لا ناصر لك، فقال على: إنك لا تزال تخن(22) خنين الجارية، وما الذي أمرتني فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أحيط بعثمان – رضي الله عنه – أن تخرج من المدينة فيُقتل ولست بها، ثم أمرتك يوم قُتل ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر، ثم أمرتك حين فعل هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا، فإن كان الفساد كان على يدي غيرك، فعصيتني في ذلك كله. قال: أي بنى، أما قولك: لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان، فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به، وأما قولك: لا تبايع حتى تأتى بيعة الأمصار، فإن الأمر أمر أهل المدينة، وكرهنا أن يضيع هذا الأمر، وأما قولك حين خرج طلحة والزبير، فإن ذلك كان وهنًا على أهل الإسلام، والله ما زلت مقهورًا مذ وليت، منقوصًا لا أصل إلى شيء مما ينبغي، وأما قولك: أجلس في بيتك، فكيف لي بما قد لزمني، أو من تريدني؟ أتريدني أن أكون مثل الضبع التي يحاط بها، ويقال: دباب دباب(23), ليست ههنا حتى يحل عرقوباها ثم نُخرج، وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني، فمن ينظر فيه؟ فكف عنك أي بنى(24). كان موقف أمير المؤمنين على حازمًا في هذه المشكلة وواضحًا ولم يستطع أحد أن يثنيه عن عزمه. وأرسل على رضي الله عنه من الربذة يستنفر أهل الكوفة ويدعوهم إلى نصرته، وكان الرسولان محمد بن أبى بكر الصديق، ومحمد بن جعفر ولكنهما لم ينجحا في مهمتهما، إذ إن أبا موسى الأشعري والى الكوفة من قبل على، ثبط الناس ونهاهم عن الخروج والقتال في الفتنة وأسمعهم ما سمعه من رسول الله × من التحذير من الاشتراك في الفتنة(25), فأرسل على بعد ذلك هاشم بن عتبة بن أبى وقاص، ففشل في مهمته، لتأثير أبى موسى عليهم(26).
3- استنفار أمير المؤمنين على لأهل الكوفة من ذي قار(27): تحرك على بجيشه إلى ذي قار فعسر به بعد ثماني ليال من خروجه من المدينة، وهو في تسعمائة رجل تقريبًا(28), فبعث للكوفة في هذه المرة عبد الله بن عباس فأبطأوا عليه، فأتبعه بعمار بن ياسر والحسن بن على، وعزل أبا موسى الأشعري واستعمل قرظة بن كعب بدلاً منه(29). وكان للقعقاع دور عظيم في إقناع أهل الكوفة، فقد قام فيهم وقال: إني لكم ناصح وعليكم شفيق، وأحب أن ترشدوا، ولأقولن لكم قولاً هو الحق،... والقول الذي هو القول إنه لابد من إمارة تنظم الناس وتنزع الظالم، وتعز المظلوم، وهذا علىٌّ يلي ما ولى، وقد أنصف في الدعاء، وإنما يدعو إلى الإصلاح، فانفروا وكونوا في هذا الأمر بمرأى ومسمع(30). وكان للحسن بن على أثر واضح، فقد قام خطيبًا في الناس وقال: أيها الناس، أجيبوا دعوة أميركم، وسيروا إلى إخوانكم، فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، والله لأن يليه أولو النهى(31) أمثل في العاجلة وخير من العاقبة، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم(32). ولبى كثير من أهل الكوفة وخرجوا مع عمار والحسن إلى على ما بين سبعة إلى سبة آلاف رجل، ثم انضم إليهم من أهل البصرة ألفان من عبد القيس، ثم توافدت عليه القبائل إلى أن بلغ جيشه عند حدوث المعركة اثنى عشر ألف رجل تقريبًا(33). وعندما التقى أهل الكوفة بأمير المؤمنين على بذي قار قال لهم: يا أهل الكوفة، أنتم وليتم شوكة العجم وملوكهم وفضضتم جموعهم، حتى صارت إليكم مواريثهم، فأعنتم حوزتكم، واغتنم الناس على عدوهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة، فإن يرجعوا فذاك ما نريد، وإن يلجوا داويناهم بالرفق، وبايناهم حتى يبدءونا بظلم، ولن ندع أمرًا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله(34).
4- اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية: وهذا القول ينطبق على حال الصحابة في هذه الفتنة، فمع اختلافهم في الرأي، لم يدخل قلب أحد الضَّغن على أخيه، وإليك هذه القصة التي حدثت بالكوفة، فقد روى البخاري عن أبى وائل قال: دخل أبو موسى الأشعري، وأبو مسعود وعقبة بن عمرو الأنصاري على عمّار حين بعثه علىٌّ إلى أهل الكوفة يستنفرهم، فقالا: ما رأيناك أتيت أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت. فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرًا أكره عندي من إبطائكما في هذا الأمر.. وفي رواية: فقال أبو مسعود – وكان موسرًا -: يا غلام هات حلتين فأعط إحداهما أبا موسى، والأخرى عمارًا، وقال: روحا فيه إلى الجمعة(35). فأنت ترى أبا مسعود وعمارًا وكلاهما يرى الآخر مخطئًا ومع ذلك فأبو مسعود يكسو عمارًا حلة ليشهد بها الجمعة لأنه كان بثياب السفر وهيئة الحرب، فكره أبو مسعود أن يشهد الجمعة في تلك الثياب، وهذا تصرف يدل على غاية الود مع أن كليهما جعل تصرف صاحبه نحو الفتنة عيبًا، فغمار يرى إبطاء أبى موسى وأبى مسعود عن تأييد على عيبًا، وأبو موسى وأبو مسعود رأيا إسراع عمار في تأييد أمير المؤمنين على عيبًا، وكلاهما له حجته التي اقتنع بها؛ فمن أبطأ فذلك لما ظهر لهم من ترك مباشرة القتال في الفتنة، تمسكًا بالأحاديث الواردة في ذلك وما في حمل السلاح على المسلم من الوعيد، وكان عمّار على رأى علىًّ في قتال الباغين والناكثين، والتمسك بقوله:+فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي" [الحجرات:9] وحمل الوعيد الوارد في القتال على من كان متعديًا على صاحبه، وكلا الفريقين لم يكن حريصًا على قتل صاحبه، ويتعلق الطرفان بأدنى سبب لمنع الاشتجار قبل أن يقع، ومضى الالتحام إن وقع، لأن الطرفين كانا كارهين الاقتتال(36).
5- تساؤلات على الطريق:
أ- ما سأله أبو رفاعة بن رافع بن مالك العجلان الأنصاري لما أراد الخروج من الرّبذة، فقال: يا أمير المؤمنين، أي شيء تريد؟ وإلى أين تذهب بنا؟ فقال: أما الذي نريد وننوى فالإصلاح، إن قبلوا منا وأجابونا إليه، قال: فإن لم يجيبونا إليه؟ قال: ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحق ونصبر، قال: فإن لم يرضوا؟ قال: ندعهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: امتنعنا منهم، قال: فنعم إذًا. فسمع تلك السلسلة من الأسئلة والإجابات فاطمأن إليها وارتاح لها، وقال: لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول، وقال:
دراكها دراكها قبل الفوت وانفر بنا واسْمُ بنا نحو الصوت
لا وَألَتْ نفسي إن هبت الموت (37)
ب- أهل الكوفة يسألون عليًا بمن فيهم الأعور بن بنان المنقرى: لما قدم أهل الكوفة إلى أمير المؤمنين رضي الله عنه فيِ ذي قار، قام إليه أقوام من أهل الكوفة يسألونه عن سبب قدومهم، فقام إليه فيمن قام الأعور بن بُنان المنْقرىّ، فقال له على رضي الله عنه: علىَّ الإصلاح وإطفاء النائرة(38), لعل الله يجمع شمل هذه الأمة بنا ويضع حربهم، وقد أجابوني، قال: فإن لم يجيبونا؟ قال: تركناهم ما تركونا. قال: فإن لم يتركونا؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا، قال: فهل لهم مثل ما عليهم من هذا؟ قال: نعم(39).
جـ- أبو سلامة الدألانى، ممن سأل أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال: أترى لهؤلاء القوم حجّة فيما طلبوا من هذا الدم، إن كانوا أرادوا الله عز وجل بذلك؟ قال: نعم. قال: فترى لك حجة بتأخيرك ذلك؟ قال: نعم، إنّ الشيء إذا كان لا يدرك فالحكم فيه أحوطه وأعمّه نفعًا، قال: فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدًا؟ قال: إني لأرجو ألاّ يقتل أحد نقىّ قلبه لله منّا ومنهم إلا أدخله الله الجنة(40).
د- وسأل مالك بن حبيب أمير المؤمنين على بن أبى طالب، فقال: ما أنت صانع إذا لقيت هؤلاء القوم؟ قال: قد بان لنا ولهم أن الإصلاح، الكفّ عن هذا الأمر، فإن بايعونا فذلك، فإن أبوا وأبينا إلا القتال فصدع لا يلتئم، قال: فإن ابتلينا فما بال قتلانا؟ قال: من أراد الله عز وجل نفعه ذلك وكان نجاءه(41).
إن هدف أمير المؤمنين الإصلاح وإطفاء الفتنة، وإن القتال ليس واردًا في تدابيره، لأنه إن حصل، فهو داء لا يُرجى شفاؤه، أما من يقتل بين الطرفين فهو مرهون بنيّته، سواء قاتل مع أمير المؤمنين أو قاتل ضده، وبذلك يقرر أمير المؤمنين أن المسلمين الذين خرجوا في هذا الأمر، بعد استشهاد عثمان – رضي الله عنه – يبتغون الإصلاح والقضاء على الفتنة مجتهدون وأجرهم على قدر إخلاص نواياهم ونقاء قلوبهم(42).
خامسًا: محاولات الصلح:
قبل أن يتحرك على رضي الله عنه بجيشه نحو البصرة أقام في ذي قار أيامًا، وكان غرضه – رضي الله عنه – القضاء على هذه الفرقة والفتنة بالوسائل السلمية، وتجنيب المسلمين شر القتال والصدام المسلح بكل ما أُوتى من قوة وجهد، وكذلك الحال بالنسبة لطلحة والزبير، وقد اشترك في محاولات الصلح عدد من الصحابة وكبار التابعين ممن اعتزلوا الأمر، منهم:
1- عمران بن حصين رضي الله عنه: فقد أرسل في الناس يخذل الفريقين جميعًا، ثم أرسل إلى بنى عدى – وهم جمع كبير انضموا للزبير – فجاء رسوله وقال لهم في مسجدهم: أرسلني إليكم عمران بن حصين صاحب رسول الله × ينصحكم ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو لأن يكون عبدًا حبشيًّا مجدعًا يرعى أعنزًا في رأس جبل حتى يدركه الموت، أحب إليه من أن يرمى في أحد من الفريقين بسهم أخطأ أو أصاب، فأمسكوا فدى لكم أبى وأمي. فقال القوم: دعنا منك، فإنا والله لا ندع ثقل رسول الله × لشيء(43) أبدًا.
2- كعب بن سور: أحد كبار التابعين، فقد بذل كل جهد، وكلف نفسه فوق طاقتها، وقام بدور يعجز عنه كثير من الرجال، فقد استمر في محاولة الصلح إلى أن وقع المحذور، وذهب ضحية جهوده؛ إذ قُتل وهو بين الصفين يدعو هؤلاء ويدعو هؤلاء إلى تحكيم كتاب الله وكف السلاح(44).
3- القعقاع بن عمرو التميمي: أرسل أمير المؤمنين علىٌّ القعقاع بن عمرو التميمي رضي الله عنهما في مهمة الصلح إلى طلحة والزبير، وقال: القَ هذين الرجلين، فادعهما إلى الألفة والجماعة، وعظّم عليهما الاختلاف والفرقة. وذهب القعقاع إلى البصرة، فبدأ بعائشة – رضي الله عنها- وقال لها: ما أقدمك يا أماه إلى البصرة؟ قالت له: يا بنى من أجل الإصلاح بين الناس. فطلب القعقاع منها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا، ويكلمهما في حضرتها وعلى مسمع منها.
* محاورة القعقاع لطلحة والزبير: ولما حضرا سألهما عن سبب حضورهما، فقالا كما قالت عائشة: من أجل الإصلاح بين الناس. فقال لهما: أخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ فوالله لئن عَرفناه لنصلحنَّ معكم، ولئن أنكرناه لا نصلح، قالا له: قتلة عثمان، رضي الله عنه، ولابد أن يُقتلوا، فإن تُركوا دون قصاص كان هذا تركًا للقرآن، وتعطيلاً لأحكامه، وإن اقُتصَّ منهم كان هذا إحياء للقرآن. قال القعقاع: لقد كان في البصرة ستُّمائة من قتلة عثمان وأنتم قتلتموهم إلا رجلاً واحدًا، وهو حرقوص بن زهير السعدي، فلما هرب منكم احتمى بقومه من بنى سعد، ولما أردتم أخذه منهم وقَتْله منعكم قومه من ذلك، وغضب له ستة آلاف رجل اعتزلوكم، ووقفوا أمامكم وقفة رجل واحد، فإنه تركتم حرقوصًا ولم تقتلوه، كنتم تاركين لما تقولون وتنادون به وتطالبون عليًا به، وإن قاتلتم بنى سعد من أجل حرقوص، وغلبوكم وهزموكم وأديلوا عليكم، فقد وقعتم في المحذور، وقوَّيتموهم، وأصابكم ما تكرهون، وأنتم بمطالبتكم بحرقوص أغضبتم ربيعة ومضر، من هذه البلاد، حيث اجتمعوا على حربكم وخذلانكم، نصرة لبنى سعد، وهذا ما حصل مع على، ووجود قتلة عثمان في جيشه.
* الحل عند القعقاع: التأني والتسكين ثم القصاص: تأثرت أمُّ المؤمنين ومن معها بمنطق القعقاع وحجته المقبولة؛ فقالت له: فماذا تقول أنت يا قعقاع؟ قال: أقول: «هذا أمر دواؤه التسكين، ولابد من التأني في الاقتصاص من قتلة عثمان، فإذا انتهت الخلافات، واجتمعت كلمة الأمة على أمير المؤمنين تفرغ لقتلة عثمان، وإن أنتم بايعتم عليًا(45) واتفقتم معه، كان هذا علامة خير، وتباشير رحمة، وقدرة على الأخذ بثأر عثمان، وإن أنتم أبيتم ذلك، وأصررتم على المكابرة والقتال كان هذا علامة شر، وذهابًا لهذا الملك، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولاً، ولا تُعرَّضونا للبلاء، فتتعرضوا له، فيصرعنا الله وإياكم، وايم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه، وإني لخائف أن لا يتم، حتى يأخذ الله حجته من هذه الأمة التي قلَّ متاعها، ونزل بها ما نزل، فإنّ ما نزل بها أمر عظيم، وليس كقتل الرجل الرجل، ولا قتل النفر الرجل، ولا قتل القبيلة القبيلة». اقتنعوا بكلام القعقاع المقنع الصادق المخلص، ووافقوا على دعوته إلى الصلح، وقالوا له: قد أحسنت وأصبت المقالة، فارجع، فإن قدم على، وهو على مثل رأيك، صلح هذا الأمر إن شاء الله. عاد القعقاع إلى على في «ذي قار» وقد نجح في مهمته، وأخبر عليًا بما جرى معه، فأُعجب على بذلك، وأوشك القوم على الصلح، كرهه من كرهه، ورضيه من رضيه(46).
* بشائر الاتفاق بين الفريقين: لما عاد القعقاع وأخبره بما فعل، أرسل علىّ رضي الله عنه رسولين(47) إلى عائشة والزبير ومن معهما يستوثق مما جاء به القعقاع بن عمرو، فجاءا عليًا، بأنه على ما فارقنا عليه القعقاع فأقدم، فارتحل علىّ حتى نزل بحيالهم، فنزلت القبائل إلى قبائلهم، مضر إلى مضر، وربيعة إلى ربيعة، واليمن إلى اليمن، وهم لا يشكون في الصلح، فكان بعضهم بحيال بعض، وبعضهم يخرج إلى بعض، ولا يذكرون ولا ينوون إلا الصلح(48), وكان أمير المؤمنين على رضي الله عنه لما نوى الرحيل قد أعلن قراره الخطير: ألا وإني راحل غدًا فارتحلوا – يقصد إلى البصرة – ألا ولا يرتحلن غدًا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس(49).
سادسًا: نشوب القتال:
1- دور السبئية في نشوب الحرب: كان في عسكر على رضي الله عنه من أولئك الطغاة الخوارج الذين قتلوا عثمان من لم يعرف بعينه، ومن تنتصر له قبيلته، ومن لم تقم عليه حجة بما فعله، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره(50), وحرص أتباع ابن سبأ على إشعال الفتنة وتأجيج نيرانها حتى يفلتوا من القصاص(51). فلما نزل الناس منازلهم واطمأنوا، خرج على وخرج طلحة والزبير، فتوافقوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه فلم يجدوا أمرًا، هو أمثل من الصلح وترك الحرب حين رأوا أن الأمر أخذ في الانقشاع، فافترقوا على ذلك، ورجع علىّ إلى عسكره، ورجع طلحة والزبير إلى عسكرهما، وأرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل على إلى رؤساء أصحابه، ماعدا أولئك الذين حاصروا عثمان – رضي الله عنه – فبات الناس على نية الصلح والعافية وهم لا يشكون في الصلح، فكان بعضهم بحيال بعض، وبعضهم يخرج إلى بعض، لا يذكرون ولا ينوون إلاّ الصّّلح. وبات الذين أثاروا الفتنة بشر ليلة باتوها قط؛ إذ أشرفوا على الهلاك وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها، وقال قائلهم: أما طلحة والزبير فقد عرفنا أمرهما، وأما على فلم نعرف أمره حتى كان اليوم؛ وذلك حين طلب من الناس أن يرتحلوا في الغد ولا يرتحل معه أحد أعان على عثمان بشيء، ورأى الناس فينا – والله – واحد، وإن يصطلحوا مع على فعلى دمائنا(52). وتكلم ابن السوداء عبد الله بن سبأ – وهو المشير فيهم – فقال: يا قوم إن عزّكم في خلطة الناس فصانعوهم، وإذا التقى الناس غدًا فانشبوا القتال، ولا تفرغوهم للنظر، فإذا من أنتم معه لا يجد بدًا من أن يمتنع، ويشغل الله عليًا وطلحة والزبير ومن رأى رأيهم عما تكرهوه، فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه والناس لا يشعرون(53).
فاجتمعوا على هذا الرأي بإنشاب الحرب في السّر، فغدوا في الغلس وعليهم ظلمة، وما يشعر بهم جيرانهم، فخرج مضريّهم إلى مضريهم، وربيعيهم إلى ربيعيّهم، ويمانيهم إلى يمانّيهم، فوضعوا فيهم السيوف، فثار أهل البصرة، وثار كل قوم في وجوه الذين باغتوهم، وخرج الزبير وطلحة في وجوه الناس من مصر، فبعثا إلى الميمنة، وهم ربيعة يرأسها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والميسرة، يرأسها عبد الرحمن بن عتّاب بن أسيد وثبتا في القلب، فقالا: ما هذا؟ قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلاً، فقالا: ما علمنا أن عليًا غير منته حتى يسفك الدّماء ويستحل الحرمة، وإنه لن يطاوعنا، ثم رجعا بأهل البصرة، وقصف أهل البصرة أولئك حتى ردّوهم إلى عسكرهم(54), فسمع على وأهل الكوفة الصوت، وقد وضع السبئية رجلاً قريبًا من على ليخبره بما يريدون، فلما قال: ما هذا؟ قال ذلك الرجل: ما فجئنا إلا وقوم منهم بيتونا فرددناهم، وقال علىّ لصاحب ميمنته: ائت الميمنة، وقال لصاحب ميسرته: ائت الميسرة، والسبئية لا تفتر إنشابًا(55). وعلى الرغم من تلك البداية للمعركة فإن الطرفين ما لبثا يملكان الرويّة حتى تتضح الحقيقة، فعلى ومن معه يتفقون على ألا يبدءوا بالقتال حتى يبدءوا طلبًا للحجة واستحقاقًا على الآخرين بها، وهم مع ذلك لا يقتلون مدبرًا، ولا يجهزون على جريح، ولكن السبئية لا تفتر إنشابًا(56), وفي الجانب الآخر ينادى طلحة وهو على دابته وقد غشيه الناس فيقول: يا أيها الناس أتنصتون؟ فجعلوا يركبونه ولا ينصتون، فما زاد أن قال: أف أف فراش نار وذبان طمع(57), وهل يكون فراش النار وذبان الطمع غير أولئك السبئية؟ بل إن محاولات الصلح لتجرى حتى آخر لحظة من لحظات المعركة.
ومن خلال هذا العرض يتبين أثر ابن سبأ وأعوانه «السبئية» في المعركة ويتضح – بما لا يدع مجالاً للشك – حرص الصحابة – رضي الله عنهم – على الإصلاح وجمع الكلمة؛ وهذا هو الحق الذي تثبته النصوص وتطمئن إليه النفوس(58). وقبل الحديث عن جولات المعركة نشير إلى أن أثر السبئية في معركة الجمل مما يكاد يجمع عليه العلماء سواء أسموهم بالمفسدين، أو بأوباش الطائفتين، أو أسماهم البعض بقتلة عثمان، أو نبزوهم بالسفهاء، أو بالغوغاء، أو أطلقوا عليهم صراحة السبئية(59).. وإليك بعض النصوص التي تؤكد ذلك:
أ- جاء في أخبار البصرة لعمر بن شبَّة أن الذين نسب إليهم قتل عثمان خشوا أن يصطلح الفريقان على قتلهم، فأنشبوا الحرب بينهم حتى كان ما كان(60).
ب- قال الإمام الطحاوى: فجرت فتنة الجمل على غير اختيار من على ولا من طلحة، وإنما أثارها المفسدون بغير اختيار السابقين(61).
جـ- وقال الباقلانى:..وتم الصلح والتفرق على الرضا، فخاف قتلة عثمان من التمكن منهم، والإحاطة بهم، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا، ثم اتفقت آراؤهم على أن يفترقوا فرقتين، ويبدءوا بالحرب سحرة في المعسكرين ويختلطوا، ويصيح الفريق الذي في عسكر على: غدر طلحة والزبير، ويصيح الفريق الذي في عسكر طلحة والزبير: غدر على، فتم لهم ذلك على ما دبروه ونشبت الحرب، فكان كل فريق منهم دافعًا لمكروه عن نفسه ومانعًا من الإشاطة بدمه، وهذا صواب من الفريقين وطاعة لله تعالى إذ وقع، والامتناع منهم على هذا السبيل، فهذا هو الصحيح المشهور، وإليه نميل، وبه نقول(62).
د- ونقل القاضي عبد الجبار: أقوال العلماء، باتفاق رأي على وطلحة والزبير وعائشة – رضوان الله عليهم – على الصلح، وترك الحرب، واستقبال النظر في الأمر، وأنّ من كان في المعسكر من أعداء عثمان كرهوا ذلك، وخافوا أن تتفرغ الجماعة لهم، فدبّروا في إلقاء ما هو معروف، وتمّ ذلك(63).
هـ- ويقول القاضي أبو بكر بن العربي: وقدم علىّ على البصرة، وتدانوا ليتراءوا، فلم يتركهم أصحاب الأهواء، وبادروا بإراقة الدماء، واشتجرت الحرب، وكثرت الغوغاء على البوغاء، كل ذلك حتى لا يقع برهان، ولا يقف الحال على بيان، ويخفى قتلة عثمان، وإنّ واحدًا في الجيش يفسد تدبيره، فكيف بألف(64).
و- ويقول ابن حزم:..وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم، فبيتوا عسكر طلحة والزبير وبذلوا السيف فيهم، فدفع القوم عن أنفسهم حتى خالطوا عسكر علىّ، فدفع أهله عن أنفسهم، كل طائفة تظن – ولا شك – أن الأخرى بدأتها القتال، واختلط الأمر اختلاطًا، ولم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه، والفسقة من قتلة عثمان لا يفترون من شن الحرب وإضرابها، فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها ومقصدها، مدافعة عن نفسها، ورجع الزبير وترك الحرب بحالها، وأتى طلحة سهم غارب، وهو قائم لا يدري حقيقة ذلك الاختلاط، فصادف جرحًا في ساقه كان أصابه يوم أحد بين يدي رسول الله ×، فانصرف ومات من وقته – رضي الله عنه -،وقتل الزبير بوادي السباع- بعد انسحابه من المعركة- على أقل من يوم من البصرة، فهكذا كان الأمر(65). ويقول الذهبي: كانت وقعة الجمل أثارها سفهاء الفريقين(66). ويقول: إن الفريقين اصطلحا وليس لعلى ولا لطلحة قصد القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامي أوباش الطائفتين بالنبل، وشبت نار الحرب، وثارت النفوس(67). وفي كتاب «دول الإسلام»: والتحم القتال من «الغوغاء» وخرج الأمر عن على وطلحة والزبير(68). ويقول الدكتور سليمان بن حمد العودة: ولنا بعد ذلك أن نقول: وما المانع أن تكون رواية الطبري المصرَّحة بدور «السبئية » في الجمل، تفسّر هذا التعميم، وتحدد تلك المسميات التي وردت في نقولات هؤلاء العلماء؟ وحتى لو لم تكن هذه الطوائف الغوغائية ذات صلة مباشرة بالسبئية ولم تكن لها أهداف كأهدافهم، فأي مانع يمنع القول إن هذه شكلت أرضية استغلها ابن سبأ وأعوانه «السبئية»، كما هي العادة في بعض الحركات الغوغائية التي تستغل من قبل المفسدين؟! (69).
ولا ننسى أن للفتنة وأجوائها دورًا في الإسهام بتلك الأحداث، فمما لا شك فيه أن الناس في الفتن قد تحجب عنهم أشياء يراها غيرهم رأى العين، وقد يتأولون فيها صانعين أشياء يرى من سواهم حقيقته ناصعة لا تحتاج إلى عناء، وكفى بسواد الفتنة حاجبًا عن التروي والإبصار(70), ولا نبعد كثيرًا؛ فهذا الأحنف بن قيس- وهو أحد الذين عايشوا أحداث الجمل – يخرج وهو يريد نصرة على بن أبى طالب، حتى لقيه أبو بكرة(71), فقال: يا أحنف ارجع فإني سمعته × يقول: إذا تَواَجَه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، فقلت أو قيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان قد أراد قتل صاحبه(72).إن القتال مع علىّ كان حقًا وصوابًا ومن قتل معه فهو شهيد وله أجران، ولكن أبا بكرة – رضي الله عنه – حمل حديثًا ورد في غبر الحالة التي قاتل فيها علىٌّ على حالة قتال الباغين، وهو فهم منه رضي الله عنه ولكنه فهم في غير محله. ومن هذه الرواية ندرك أن عقبات متعددة واجهت عليًا رضي الله عنه في معركته مع الآخرين، منها أمثال هذه الفتاوى التي هي أثر عن ورع أكثر منها أثرًا عن فتوى تصيب محلها(73). هذا وقد امتنع الأحنف من الدخول مع على – رضي الله عنهما -، فلم يشهد الجمل مع أحد من الفريقين(74), ونقترب أكثر فإذا الزبيرَ رضي الله عنه – وهو طرف أساسي في المعركة – يكشف لنا عن حقيقة الأمر: إن هذه لهى الفتنة التي كنا نحدّث عنها، فقال له مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟ قال: ويحك؛ إنا نبصر ولا نبصر، ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه، غير هذا الأمر، فإني لا أدرى أمقبل أنا فيه أم مدبر(75). ويشير إلى ذلك طلحة فيقول: بينما نحن يد واحدة على من سوانا، إذ صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضًا(76). وفي الطرف الآخر يؤكد أصحاب على رضي الله عنه على الفتنة فيقول عمار – رضي الله عنه – في الكوفة عن خروج عائشة: إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكنها مما ابتليتم(77).
2- الجولة الأولى في معركة الجمل: زاد السبئيوّن في الجيشين من جهودهم في إنشاب القتال، ومهاجمة الفريق الآخر، وإغراء كل فريق بخصمه، وتهييجه على قتاله، ونشبت المعركة عنيفة قاسية حامية شرسة، وهي معركة الجمل، وسميت بذلك لأنَّ أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، كانت في المعركة في الجولة الثانية وسط جيش البصرة، تركب الجمل الذي قدمه لها يعلى بن أمية في مكة، حيث اشتراه من اليمن، وخرجت على هذا الجمل من مكة إلى البصرة، ثم ركبته أثناء المعركة، وكانت المعركة يوم الجمعة في السادس عشر من جمادى الثانية، سنة ست وثلاثين، في منطقة «الزابوقة» قرب البصرة، حزن علىّ لما جرى، ونادى مناديه: كفوا عن القتال أيها الناس: ولم يسمع نداءه أحد، فالكل كان مشغولاً بقتال خصمه(78), كانت معركة الجمل على جولتين: الجولة الأولى كان قائدا جيش البصرة فيها طلحة والزبير، واستمرت من الفجر حتى قبيل الظهيرة(79), ونادى على في جيشه،كما نادى طلحة والزبير في جيشهما: لا تقتلوا مدبرًا، ولا تُجهزوا على جريح، ولا تلحقوا خارجًا من المعركة تاركًا لها(80). وقد كان الزبير، رضي الله عنه، وصى ابنه عبد الله بقضاء دينه فقال: إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل مظلومًا، وإن أكبر همي ديَنْي(81). وأثناء ذلك جاء رجل إلى الزبير، وعرض عليه أن يقتل عليًا، وذلك بأن يندس مع جيشه، ثم يفتك به، فأنكر عليه بشدة، وقال: لا؛ لا يفتك مؤمن بمؤمن، أو أن الإيمان قيَّد الفتك(82), فالزبير، رضي الله عنه، ليس له غرض في قتل على أو أي شخص آخر بريء من دم عثمان، وقد دعا أمير المؤمنين علىٌّ الزبير، فكلمه بألطف العبارة، وأجمل الحديث، وقيل ذكره بحديث سمعه من رسول الله × يقول له – أي الزبير - «لتقاتلنه وأنت له ظالم(83) »- وهذا الحديث ليس له إسناد صحيح(84). وبعض الروايات ترجع السبب في انصراف الزبير – رضي الله عنه – قبيل المعركة لما علم بوجود عمار بن ياسر في الصف الآخر وهو وإن لم يرو عن رسول الله ×: «تقتل عمار الفئة الباغية»(85), فلعله سمعه من بعض إخوانه من الصحابة لشهرته(86), وبعضها يرجع السبب في انصرافه إلى شكه في صحة موقفه(87), من هذه الفتنة – كما يسميها -، وفي رواية ترجع السبب في انصرافه إلى أن ابن عباس، رضي الله عنهما، ذكره بالقرابة القوية من على؛ إذ قال له: أين صفية بنت عبد المطلب حيث تقاتل بسيفك على بن أبى طالب بن عبد المطلب(88). فخرج الزبير من المعركة، فلقيه ابن جرموز فقتله(89) كما سيأتي تفصيله بإذن الله. فالزبير، رضي الله عنه، كان على وعى لهدفه – وهو الإصلاح – ولكنه لما رأى حلول السلاح مكان الإصلاح رجع، ولم يقاتل، وقول ابن عباس: تقاتل بسيفك على بن أبى طالب؟ فيه حذف مفهومه: أم جئت للإصلاح وجمع الشمل؟ (90) وعلى إثر هذا الحديث انصرف الزبير وترك الساحة، وربما كانت عوامل متعدة ومتداخلة أسهمت في خروج الزبير من ساحة المعركة، وأما طلحة بن عبيد الله القائد الثاني لجيش البصرة، فقد أصيب في بداية المعركة، إذ جاءه سهم غرب لا يعرف من رماه، فأصابه إصابة مباشرة، ونزف دمه بغزاره فقالوا له: يا أبا محمد، إنك لجريح، فاذهب وادخل البيوت لتعالج فيها، فقال طلحة لغلامه: احملني، وابحث لي عن مكان مناسب، فأدخل البصرة، ووضع في دار فيها ليعالج، ولكن جرحه ما زال ينزف حتى توفى في البيت، ثم دفن في البصرة، رضي الله عنه(91), وأما الرواية التي تشير إلى تحريض الزبير وطلحة على القتال وأن الزبير لما رأى الهزيمة على أهل البصرة ترك المعركة ومضى، فهذه الرواية لا تصح(92)، وهذا الخبر يعارضه ما ثبت من عدالة الصحابة، رضوان الله عليهم، كما أنه يخالف الروايات الصحيحة التي تنص على أن أصحاب الجمل ما خرجوا إلا للإصلاح، فكيف ينسجم هذا الفعل من الزبير، رضي الله عنه، مع الهدف الذي خرج من مكة إلى البصرة من أجله ألا وهو الإصلاح بين الناس؟! وبالفعل فإن موقف الزبير، رضي الله عنه، كان السعي في الإصلاح حتى آخر لحظة، وهذا ما أخرجه الحاكم من طريق أبى حرب بن أبى الأسود الدؤلى، وفيه أن الزبير، رضي الله عنه، سعى في الصلح بين الناس ولكن قامت المعركة واختلف أمر الناس ومضى الزبير وترك القتال(93), وكذلك طلحة؛ فقد جاء من أجل الإصلاح وليس من أجل إراقة الدماء، وأما عن مقتل طلحة – رضي الله عنه – فقد كان عند بدء القتال كما صرح بذلك الأحنف بن قيس(94).
ويخرج الزبير من ميدان المعركة، ويموت طلحة، رضي الله عنهما، وبسقوط القتلى والجرحى من الجانبين تكون قد انتهت الجولة الأولى من معركة الجمل، وكانت الغلبة فيها لجيش على، وكان على رضي الله عنه يراقب سير المعركة ويرى القتلى والجرحى في الجانبين، فيتألم ويحزن، وأقبل علىٌّ على ابنه الحسن، وضمّه إلى صدره، وصار يبكى ويقول له: يا بُنى، ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين عامًا. فقال الحسن: يا أبت، لقد كنت نهيتك عن هذا، فقال على: ما كنت أظن أن الأمر سيصل إلى هذا الحد، وما طعمُ الحياة بعد هذا؟ وأيُّ خير يُرجى بعد هذا؟ (95).
3- الجولة الثانية: وصل الخبر إلى أم المؤمنين بما حدث من القتال، فخرجت على جملها تحيط بها القبائل الأزدية، ومعها كعب الذي دفعت إليه مصحفًا يدع الناس إلى وقف الحرب، تقدمت أم المؤمنين وكلها أمل أن يسمع الناس كلامها لمكانتها في قلوب الناس؛ فتحجز بينهم وتطفئ هذه الفتنة التي بدأت تشتعل(96), وحمل كعب بن سور المصحف، وتقدم أمام جيش البصرة، ونادى جيش على قائلاً: يا قوم، أنا كعب بن سور، قاضي البصرة، أدعوكم إلى كتاب الله، والعمل بما فيه، والصلح على أساسه. وخشي السبئيون في مقدمة جيش على أن تنجح محاولة كعب فرشقوه بنبالهم رشقة رجل واحد، فلقي وجه الله، ومات والمصحف في يده(97)، وأصابت سهام السبئيين ونبالهم جمل عائشة وهودجها، فصارت تنادي، وتقول: يا بنى، الله، الله، اذكروا الله ويوم الحساب، وكفوا عن القتال. والسبئيون لا يستجيبون لها، وهم مستمرون في ضرب جيش البصرة، وكان على من الخلف يأمر بالكف عن القتال، وعدم الهجوم على البصريين، لكن السبئيين في مقدمة جيشه لا يستجيبون له، ويأبون إلا إقدامًا وهجومًا وقتالاً، ولما رأت عائشة عدم استجابتهم لدعوتها، ومقتل كعب بن سور أمامها، قالت: أيها الناس، العنوا قتلة عثمان وأشياعهم. وصارت عائشة تدعو على قتلة عثمان وتلعنهم، وضج أهل البصرة بالدعاء على قتلة عثمان وأشياعهم، ولعنهم، وسمع علىٌّ الدعاء عاليًا في جيش البصرة فقال: ما هذا؟ قالوا: عائشة تدعو على قتلة عثمان، والناس يدعون معها. قال على: ادعوا معي على قتلة عثمان وأشياعهم والعنوهم. وضجّ جيش على بلعن قتل عثمان والدعاء عليهم(98), وقال على: اللهم لعن قتلة عثمان في السهل والجبل(99). اشتدت الحرب واشتعلت وتشابك القوم وتشاجروا بالرماح، وبعد تقصف الرماح، استلوا السيوف فتضاربوا بها حتى تقصفت(100), ودنا الناس بعضهم من بعض(101), ووجّه السبئيون جهودهم لعقر الجمل وقتل عائشة أم المؤمنين، فسارع جيش البصرة لحماية عائشة وجملها، وقاتلوا أمام الجمل، وكان لا يأخذ أحد بخطام الجمل إلا قُتل، حيث كانت المعركة أمام الجمل في غاية الشدة والقوة والعنف والسخونة، حتى أصبح الهودج كأنه قنفذ مما رمى فيه من النبل(102), وقتل حول الجمل كثير من المسلمين من الأزد وبنى ضبة وأبناء وفتيان قريش بعد أن أظهروا شجاعة منقطعة النظير(103), وقد أصيبت عائشة بحيرة شديدة وحرج فهي لا تريد القتال ولكنه وقع رغمًا عنهـا، وأصبحت في وسط المعمعة، وصارت تنادي بالكف، فلا مجيب، وكان كل من أخذ بخطام الجمل قتل، فجاء محمد بن طلحة (السجاد) وأخذ بخطامة وقال لأمه أم المؤمنين: يا أماه ما تأمرين؟ فقالت: كن كخيري ابني آدم – أي كف يدك – فأغمد سيفه بعد أن سلة فُقتل رحمه الله(104), كما قتل عبد الرحمن ابن عتاب بن أسيد، الذي حاول أن يقتل الأشتر حتى لو قتل معه؛ وذلك أنه صارعه فسقطا على الأرض جميعًا، فقال ابن عتاب لمن حوله: اقتلوني(105) ومالكًا، لحنقه عليه لما كان له من دور بارز في تحريض الناس على عثمان، رضي الله عنه، ولكن الأشتر لم يكن معروفًا بمالك، ولم يك قد حان أجله ولو قال الأشتر لابتدرته سيوف كثيرة(106), وأما عبد الله بن الزبير، فقد قاتل قتالاً منقطع النظير، ورمى بنفسه بين السيوف، فقد استخرج من بين القتلى وبه بضع وأربعون ضربة وطعنة، كان أشدها وآخرها ضربة الأشتر؛ إذ من حنقه على ابن الزبير لم يرض أن يضربه وهو جالس على فرسه بل وقف في الركابين فضربه على رأسه ظانًا أنه قتله(107), واستحر القتل أيضًا في بنى عدى وبنى ضبة والأزد، وقد أبدى بنو ضبة حماسة وشجاعة وفداء لأم المؤمنين، وقد عبر أحد رؤسائهم وهو عمر بن يثربى الضبي برجزه.
نحن بنى ضبة أصحاب الجمل ننازل الموت إذا الموت نزل
الموت عندنا أحلى من العسل ننعى ابن عفان بأطراف الأسل(108)
أدرك أمير المؤمنين على – رضي الله عنه – بما أوتى من حنكة وقوة ومهارة عسكرية فذة – أن في بقاء الجمل استمرارًا للحرب، وهلاكًا للناس، وأن أصحاب الجمل لن ينهزموا أو يكفوا عن الحرب ما بقيت أم المؤمنين في الميدان، كما أن في بقائها خطرًا على حياتها؛ فالهودج الذي هي فيه أصبح كالقنفذ من السهام(109), فأمر على نفرًا من جنده منهم محمد بن أبى بكر «أخو أم المؤمنين» وعبد الله بن بديل أن يعرقبا الجمل ويخرجا عائشة من هودجها إلى الساحة -، أي يضربا قوائم الجمل بالسيف – فعقروا الجمل(110), واحتمل أخوها محمد وعبد الله بن بديل الهودج حتى وضعاه أمام على، فأمر به على، فأدخل في منزل عبد الله بن بديل(111), وصدق حدس على – رضي الله عنه – العسكري، فما إن زال السبب أو الدافع الذي دفع البصريين إلى الإقبال على الموت بشغف، وأخرجت أم المؤمنين من الميدان، حتى ولوا الأدبار منهزمين. ولو لم يتخذ هذا الإجراء لاستمرت الحرب إلى أن يفنى جيش البصرة أصحاب الجمل، أو ينهزم جيش على، وعندما بدأت الهزيمة نادى على أو مناديه في جيشه أن لا يتبعوا مدبرًا ولا يجهزوا على جريح، ولا يغنموا إلا ما حمل إلى الميدان أو المعسكر من عتاد أو سلاح فقط، وليس لهم ما وراء ذلك من شيء، ونهاهم أن يدخلوا الدور، ليس هذا فحسب، بل قال لمن حاربه من أهل البصرة: من وجد له شيئًا من متاع عند أحد من أصحابه، فله أن يسترده، فجاء رجل إلى جماعة من جيش على وهم يطبخون لحمًا في قدر له فأخذ منهم القدر وكفأ ما فيها حنقًا عليهم(112).
4- عدد القتلى: أسفرت هذه الحرب الضروس عن عدد من القتلى اختلفت في تقديره الروايات, وذكر المسعودي أن هذا الاختلاف في تقدير عدد القتلى مرجعه إلى أهواء الرواة(113).
فيذكر قتادة أن قتلى يوم الجمل عشرون ألفًا(114), ويظهر أن فيها مبالغة كبيرة، لأن عدد الجيشين حول هذا العدد أو أقل، أما أبو مخنف الرافضي الشيعي، فقد بالغ كثيرًا – بحكم ميوله – وقد أساء من حيث يظن أنه أحسن؛ إذ ذكر أن العشرين ألفًا هم من أهل البصرة(115), وأما سيف فيذكر أنهم عشرة آلاف نصفهم من أصحاب على رضي الله عنه ونصفهم من أصحاب عائشة، رضي الله عنها، وفي رواية أخرى قال: وقيل خمسة عشر ألفًا، خمسة آلاف من أهل الكوفة، وعشرة آلاف من أهل البصرة، نصفهم قتل في المعركة الأولى ونصفهم في الجولة الثانية(116), والروايتان ضعيفتان للانقطاع وغيره، وفيهما مبالغة أيضًا، ويذكر عمر بن شيبه بسنده أن القتلى يزيدون على ستة آلاف، إلا أن الرواية ضعيفة سندًا(117), أما اليعقوبي، فقد جاوز هؤلاء جميعًا؛ إذ وضع عدد القتلى اثنين وثلاثين ألفًا(118),
وهذه الأرقام مبالغ فيها جدًا، وكان من أسباب المبالغة:
أ- رغبة أعداء الصحابة من السبئية وأتباعهم، في توسيع دائرة الخلاف بين أبناء الأمة التي يجمعها حب الصحاب والاقتداء بهم بعد رسول الله ×.
ب- إسهام بعض الشعراء والجهلة من أبناء القبائل، في تضخيم ما جرى وتكبيره، ليتناسب مع ما يصنعونه من أشعار ينسبونها إلى بعض زعمائهم وفرسانهم، فضلاً عن وجود قصاص السمر، ورواة الأخبار الذين يجلبون اهتمام الناس بهم، من خلال الأحداث المثيرة التي يتحدثون عنها.
جـ- إيجاد الثقة في نفوس أتباع الغوغاء والسبئية لإثبات نجاح خططهم وتدابيرهم(119) أما عن العدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل فقد كان ضئيلاً جدًا للأسباب التالية: * قصر مدة القتال، حيث أخرج ابن أبى شيبه بإسناد صحيح(120), أن القتال نشب بعد الظهر فما غربت الشمس وحول الجمل أحد ممن كان يذب عنه.
* الطبيعة الدفاعية للقتال حيث كان كل فريق يدافع عن نفسه ليس إلا.
* قياسًا بعدد شهداء المسلمين في معركة اليرموك «ثلاثة آلاف شهيد»، ومعركة القادسية «ثمانية آلاف وخمسمائة شهيد»، وهي التي استمرت عدة أيام، فإن العدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل يعد ضئيلاً جدًا،هذا مع الأخذ بالاعتبار شراسة تلك المعارك وحدَّتها لكونها من المعارك الفاصلة في تاريخ الأمم.
* أورد خليفة بن خياط بيانًا بأسماء من حفظ من قتلى يوم الجمل فكانوا قريبًا من المائة(121), فلو فرضنا أن عددهم كان مائتين وليس مائة، فإن هذا يعنى أن قتلى معركة الجمل لا يتجاوز المائتين. وهذا هو الرقم الذي ترجَّح لدى الدكتور خالد بن محمد الغيث في رسالته «استشهاد عثمان ووقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري- دراسة نقدية»(122).
5- هل يصح قتل مروان بن الحكم لطلحة بن عبيد الله؟ أشار كثير من الروايات إلى أن قاتل طلحة بن عبيد الله، رضي الله عنه، هو مروان بن الحكم(123), ولكن بعد دراسة تلك الروايات أتضح براءة مروان بن الحكم من تلك التهمة وذلك للأسباب التالية:
أ- قال ابن كثير: ويقال إن الذي رماه بهذا السهم مروان بن الحكم، وقد قيل: إن الذي رماه بهذا السهم غيره، وهذا عندي أقرب وإن كان الأول مشهورًا، والله أعلم(124).
ب- قال ابن العربي: قالوا إن مروان قتل طلحة بن عبيد الله، ومن يعلم هذا إلا علام الغيوب، ولم ينقله ثبت(125).
جـ- قال محب الدين الخطيب: وهذا الخبر عن طلحة ومروان لقيط لا يُعرف أبوه ولا صاحبه(126).
د- بطلان السبب الذي قيل أن مروان قتل طلحة، رضي الله عنه، من أحله، وهو اتهام مروان لطلحة بأنه أعان على قتل عثمان، رضي الله عنه، وهذا السبب المزعوم غير صحيح حيث إنه لم يثبت من طريق صحيح أن أحدًا من الصحابة قد أعان على قتل عثمان رضي الله عنه.
هـ- كون مروان وطلحة، رضي الله عنهما، من صف واحد يوم الجمل وهو صف المنادين بالإصلاح بين الناس(127).
و- أن معاوية، رضي الله عنه، قد ولى مروان على المدينة ومكة، فلو صح ما بدر من مروان لما ولاه معاوية، رضي الله عنه، على رقاب المسلمين، وفي أقدس البقاع عند الله.
ز- وجود رواية لمروان بن الحكم في صحيح البخاري(128) – مع ما عرف عن البخاري رحمه الله من الدقة وشدة التحري في أمر من تقبل روايته – فلو صح قيام مروان بقتل طلحة، رضي الله عنه، لكان هذا سببًا كافيًا لرد روايته والقدح في عدالته(129).
6- نداء أمير المؤمنين بعد الحرب: ما إن بدأت الحرب تضع أوزارها، حتى نادى منادي على: أن لا يجهزوا على جريح، ولا يتبعوا مدبرًا، ولا يدخلوا دارًا، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، وليس لجيشه من غنيمة إلا ما حمل إلى ميدان المعركة من سلاح وكراع، وليس لهم ما وراء ذلك من شيء، ونادى منادي أمير المؤمنين فيمن حاربه من أهل البصرة من وجد شيئًا من متاعه عند أحد من جنده، فله أن يأخذه(130), وقد ظن بعض الناس في جيش على أن عليًا سيقسم بينهم السبي، فتكلموا به ونشروه بين الناس، ولكن سرعان ما فاجأهم على رضي الله عنه، حين أعلن في ندائه: وليس لكم أم ولد، والمواريث على فرائض الله، وأي امرأة قُتل زوجها فلتعتد أربعة أشهر وعشرًا، فقالوا مستنكرين متأولين: يا أمير المؤمنين تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا نساؤهم؟ فقال على: كذلك السيرة في أهل القبلة، ثم قال: فهاتوا سهامكم وأقرعوها على عائشة فهي رأس الأمر وقائدهم، ففرقوا وقالوا: نستغفر الله، وتبين لهم أن قولهم وظنهم خطأ فاحش، ولكن ليرضيهم قسم عليهم رضي الله عنه من بيت المال خمسمائة خمسمائة(131).
7- تفقده للقتلى وترحمه عليهم: بعد انتهاء المعركة خرج على يتفقد القتلى مع نفر من أصحابه، فأبصر محمد بن طلحة (السجاد) فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما والله لقد كان شابًا صالحًا، ثم قعد كئيبًا حزينًا...ودعا للقتلى بالمغفرة، وترحم عليهم وأثنى على عدد منهم بالخير والصلاح(132), وعاد إلى منزله فإذا امرأته وابنتاه يبكين على عثمان وقرابته والزبير وطلحة وغيرهم من أقاربهم القرشيين. فقال لهن: إني لأرجو أن نكون من الذين قال الله فيهم: +وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ" [الحجر:47]. ثم قال: ومن هم إن لم نكن؟! ومن هم إن لم نكن؟! فما زال يردد ذلك حتى وددت أنه سكت(133).
8- مبايعة أهل البصرة: كان أمير المؤمنين على رضي الله عنه حريصًا على وحدة الصف، واحترام رعايا الدولة، ومعاملتهم المعاملة الكريمة، وكان لهذه المعاملة أثر بالغ في مبايعة أهل البصرة لأمير المؤمنين على، وكان أمير المؤمنين قد وضع الأسرى في مساء يوم | |
| | | saso0o نائبة المدير
المشاركات : 3914 الجنـس : الـعـمــر : 36 السٌّمعَة : 93 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي : هوايـتـي :
| موضوع: رد: تاريخ الفتنة الإسلامية الكبرى بين علي ومعاوية الأحد نوفمبر 13, 2011 8:15 pm | |
| حقيقة الخلاف بين الصحابة في معركتي الجمل وصفين وقضية التحكيم (4)
د. علي الصلابي
سابعًا: بين عائشة أم المؤمنين وأمير المؤمنين على بن أبى طالب: عائشة أم المؤمنين هي الصديقة بنت الصديق أبى بكر عبد الله بن عثمان، وأمها أم رومان بنت عويمر الكنانية، ولدت بعد المبعث بأربع سنوات أو خمس، تزوجها النبي× وهي بنت ست ودخل بها وهي بنت تسع سنين، وكان دخوله بها في شوال في السنة الأولى، وقيل في السنة الثانية من الهجرة، وهي المبرأة من فوق سبع سماوات، وكانت أحب أزواج النبي × إليه، ولم يتزوج بكرًا غيرها، وكانت أفقه نساء الأمة على الإطلاق، فكان الأكابر من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، إذا أشكل عليهم الأمر في الدين استفتوها، وقد توفى عنها النبي × وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وكانت وفاتها رضي الله عنها في سنة ثمان وخمسين ليلة السابع عشر من رمضان، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، ودفنت في البقيع رضي الله عنها وأرضاها(1), ومناقبها، رضي الله عنها، كثيرة مشهورة فقد وردت أحاديث صحيحة بخصائص انفردت بها عن سواها من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن منها: 1- مجيء الملك بصورتها إلى النبي × في سرقة(2) من حرير قبل زواجها به ×: فقد روى الشيخان من حديث عائشة، قالت: قال رسول الله ×: أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فاكشف عن وجهك، فإذا أنت هي فأقول: إن يك هذا من الله يمضه(3).
2- أحب أزواج النبي ×: وقد صرح بمحبتها لما سئل × عن أحب الناس إليه، فقد روى البخاري بإسناده إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي × بعثه على جيش ذات السلاسل(4), قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: فمن الرجال؟ قال: أبوها(5). قال الحافظ الذهبي: وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان عليه الصلاة والسلام ليحب إلا طيبًا، وقد قال: «لو كنت متخذًا خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخوة الإسلام أفضل»، فأحب أفضل رجل في أمته، وأفضل امرأة في أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله × فهو حرى أن يكون بغيضًا إلى الله ورسوله، وحبه عليه الصلاة والسلام لعائشة كان أمرًا مستفيضًا(6).
3- نزول الوحي على النبي × وهو في لحافها دون غيرها من نسائه عليه الصلاة والسلام: فقد روى البخاري بإسناده إلى هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمه فقلن: يا أم سلمه والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله × أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمه للنبي × قالت: فأعرض عنى، فلما عاد إلىَّ ذكرت له ذلك فأعرض عنى، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: «يا أم سلمه لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علىَّ الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها»(7). وقال الذهبي: وهذا الجواب منه دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها(8).
4- أن جبريل عليه السلام أرسل إليها سلامه مع النبي ×: فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله × يومًا: «يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام»، فقالت: وعليه السلام ورحمه الله وبركاته، ترى ما لا أرى – تريد رسول الله ×-(9).
5- بدأ النبي × بتخييرها عند نزول آية التخيير، وقرن ذلك بإرشادها إلى استشارة أبويها في ذلك الشأن لعلمه أن أبويها لا يأمرانها بفراقه، فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة؛ فاستن بها بقية أزواجه ×، فقد روى الشيخان بإسنادهما إلى عائشة، رضي الله عنها، قالت: لما أمر رسول الله × بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمرى أبويك. قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت: ثم قال: إن الله – جل ثناؤه- قال: +يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً ***61536; وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا" [الأحزاب:28، 29] قالت: فقلت: ففي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج رسول الله × مثل ما فعلت(10).
6- نزول آيات من كتاب الله بسببها، فمنها ما هو في شأنها خاصة ومنها ما هو للأمة عامة: فأما الآيات الخاصة بها والتي تدل على عظم شأنها ورفعة مكانتها شهادة الباري جل وعلا لها بالبراءة مما رميت به من الإفك والبهتان، وهو قوله تعالى: + إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النور:11] إلى قوله تعالى:+الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّؤونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" [النور:26]. قال ابن القيم: ومن خصائصها أن الله سبحانه وتعالى برأها مما رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها وبراءتها وحيًا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنها من الطيبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم. وأخبر سبحانه وتعالى أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرًا لها، ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شرًا لها ولا خافضًا من شأنها، بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها، وصار لها ذكرًا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء، فيا لها من منقبة ما أجلها! وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت: لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بوحي يُتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله × رؤيا يبرئني الله بها(11). فهذه صديقة الأمة وأم المؤمنين وحب رسول الله ×، وهي تعلم أنها بريئة منه مظلومة، وأن قاذفيها ظالمون مفترون عليها، وقد بلغ أذاهم إلى أبويها وإلى رسول اله ×(12). قال ابن كثير: ولما تكلم فيها أهل الإفك بالزور والبهتان غار الله فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآن تُتلى على الزمان.. وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها(13).وأما ما نزل بسببها من الآيات وهي للأمة عامة فآية التيمم وكانت رحمة وتسهيلاً لسائر الأمة، فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة، رضي الله عنها، أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فأرسل رسول الله × ناسًا من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي × شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيرًا، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرًا(14).
7- كان رسول الله × يحرص على أن يمرض في بيتها: فقد كانت وفاته × بين سحرها ونحرها وفي يومها، وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا، وأول ساعة من الآخرة، ودفن في بيتها(15), فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله × لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: أين أنا غدًا؟ حرصًا على بيت عائشة، قالت: فلما كان يومي سكن(16)، وعند مسلم عنها أيضًا قالت: إن كان رسول الله × ليتفقد يقول: «أين أنا اليوم، أين أنا غدًا؟» استبطاء ليوم عائشة، قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري(17), وروى البخاري أيضًا بإسناده عنها: أن رسول الله × كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: «أين أنا غدًا، أين أنا غدًا؟» يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه بأن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها. قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علىَّ فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي، ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبى بكر ومعه مسواك يستن به، فنظر إليه رسول الله، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه فقصمته، ثم مضغته، فأعطيته رسول الله × فاستن به، وهو مستند إلى صدري. وفي رواية أخرى بزيادة: فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة(18).
8- إخباره × بأنها من أصحاب الجنة: فقد روى الحاكم بإسناده إلى عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، من أزواجك في الجنة؟ قال: أما إنك منهن؟ قالت: فخيل إلىّ أن ذاك أنه لم يتزوج بكرًا غيري(19). وروى البخاري بإسناده إلى القاسم بن محمد أن عائشة اشتكت فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله ×، وعلى أبى بكر(20). وفي هذا فضيلة عظيمة لعائشة، رضي الله عنها، حيث قطع لها بدخول الجنة إذ لا يقول ذلك إلا بتوقيف(21).
9- فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام: ما رواه الشيخان بإسنادهما إلى عبد الله بن عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله × يقول: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»(22).قال النووي: قال العلماء: معناه: أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق، فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه، والمراد بالفضيلة نفعه والتشبع منه وسهولة مساغه، والالتذاذ به وتيسر تناوله، وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك، فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة، وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة. وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية لاحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة(23).
هذه بعض الأحاديث التي أشارت إلى فضل السيدة عائشة ومكانتها وسبقها؛ وعلو شأنها في الدين، وعظيم مكانتها، ومع هذا فقد تعرضت السيدة عائشة أم المؤمنين للطعن والتجريح والكذب والافتراء من قبل الشيعة الرافضة ومن تأثر برواياتهم المختلفة، وآثارهم الموضوعة، وجاءوا لآثار صحاح، وأحاديث مسندة صحيحة وأوّلوها على غير حقيقتها ومرادها، كما فعل ذلك صاحب كتاب «ثم اهتديت» وهو لم يأت بجديد وإنما سار على منهج أسلافه ممن سبقوه من الشيعة الروافض، وطعن في أم المؤمنين عائشة بقول عمار: والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم بها ليعلم إياه تطيعون أم هي(24). وليس في قول عمار هذا ما يطعن به على عائشة – رضي الله عنها – بل فيه أعظم فضيلة لها، وهي أنها زوجة نبينا × في الدنيا والآخرة، فأي فضل أعظم من هذا؟! فإن غاية كل مؤمن رضا الله والجنة، وعائشة – رضي الله عنها – قد تحقق لها ذلك بشهادة عمار – رضي الله عنه – الذي كان مُخالفًا لها في الرأي في تلك الفتنة، وأنها ستكون في أعلى الدرجات في الجنة بصحبة رسول الله ×(25), وبهذا قد جاء الحديث الصحيح المرفوع للنبي ×، على ما روى الحاكم في المستدرك من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي× قال لها: أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قالت: بلى والله، قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة(26). فيكون هذا الحديث من أعظم فضائل عائشة – رضي الله عنها – ولذا أورد البخاري الأثر السابق عن عمار في مناقب عائشة رضي الله عنها(28), وأما قوله في الجزء الأخير من الأثر: ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها(27).
فليس بمطعن على أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – وبيان ذلك من وجوه:
أ- أن قول عمار هذا يمثل رأيه، وعائشة – رضي الله عنها – ترى خلاف ذلك، وأن ما هي عليه هو الحق، وكل منهما صحابي جليل، عظيم القدر في الدين والعلم، فليس قول أحدهما حجة على الأخر(29).
ب- أن غاية ما في قول عمار هو مخالفتها أمر الله في تلك الحالة الخاصة، وليس كل مخالف مذمومًا حتى تقوم عليه الحجة بالمخالفة ويعلم أنه مخالف، وإلا فهو معذور إن لم يتعمد المخالفة، فقد يكون ناسيًا أو متأولاً فلا يؤخذ بذلك.
جـ- أن عمارًا – رضي الله عنه – ما قصد بذلك ذم عائشة ولا انتقاصها، وإنما أراد أن يبين خطأها في الاجتهاد نصحًا للأمة، وهو مع هذا يعرف لأم المؤمنين قدرها وفضلها(30), وقد جاء في بعض روايات هذا الأثر عن عمار أن عمارًا سمع رجلاً يسب عائشة، فقال: اسكت مقبوحًا منبوذًا، والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها(31). وأما قول الشيعة الروافض؛ أن النبي × قام خطيبًا، فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان، وطعنهم على عائشة – رضي الله عنها- بذلك وزعمهم أن الرسول × أراد أن الفتنة تخرج من بيتها. فهذا الكلام فيه تضليل وقلب للحقائق، وتدليس على من لا علم عنده من العامة، وذلك بتفسيره قول الراوي: فأشار (نحون مسكن عائشة) على أن الإشارة كانت لبيت عائشة وأنها سبب الفتنة، والحديث لا يدل على هذا بأي وجه من الوجوه، وهذه العبارة لا تحتمل هذا الفهم عند من له أدنى معرفة بمقاصد الكلام، فإن الراوي قال: أشار نحو مسكن عائشة، ولم يقل: إلى جهة مساكن عائشة، والفرق بين التعبيرين واضح وجلي، وهذه الرواية التي ذكرها أخرجها البخاري في كتاب فرض الخمس(32), وهذا الحديث قد جاء مخرجًا في كتب السنة من الصحيحين وغيرهما من عدة طرق وبأكثر من لفظ، وجاء النص فيها على البلاد المشار إليها بما يدحض دعوى الشيعة الروافض، ويغنى عن التكلف في الرد عليهم بأي شيء آخر، وها هي ذي بعض روايات الحديث من عدة طرق عن ابن عمر – رضي الله عنهما -، فعن ليث عن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه سمع رسول الله × وهو مستقبل المشرق يقول: «ألا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان»(33), وعن عبيد بن عمر قال: حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله × قام عند باب حفصة فقال بيده نحو المشرق: «الفتنة من حيث يطلع قرن(34) الشيطان» قالها مرتين أو ثلاثًا، وعن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله × قال وهو مستقبل المشرق: «ها إن الفتنة ههنا، ها إن الفتنة ههنا، ها إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان»(35). وفي هذا الروايات تحديد صريح للجهة المشار إليها وهي جهة المشرق، وفيها تفسير للمقصود بالإشارة في الرواية التي ذكرها الشيعة الروافض(36), كما جاء في بعض الروايات الأخرى للحديث تحديد البلاد المشار إليها، فعن نافع عن ابن عمر قال: ذكر النبي × فقال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا(37)، فأظنه قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان(38).
وعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال: يا أهل العراق، ما أسألكم عن الصغيرة وأَرْكَبكم للكبيرة، سمعت أبى عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله × يقول: إن الفتنة تجيء من ههنا وأوْمَأ بيده نحو المشرق، من حيث يطلع قرنا الشيطان(39).وفي بعض الروايات جاء ذكر بعض من يقطن تلك البلاد من القبائل ووصف حال أهلها، فعن أبى مسعود قال: أشار رسول الله × بيده نحو اليمن فقال: «ألا إن الإيمان ههنا، وإن القسوة وغلظ القلب في الفدادين(40)، وعند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر»(41).فدلت هذه الروايات دلالة قطعية على بيان مراد النبي × من قوله: الفتنة (ههنا) وأن المقصود بذلك بلاد المشرق، حيث جاءت الروايات مصرحة بهذا، كما جاء في بعضها وصف أهل تلك البلاد وتعيين بعض قبائلها، مما يظهر به بطلان ما ادعى الشيعة الروافض من أن الإشارة كانت إلى بيت عائشة، فإن هذا قول باطل، ورأى ساقط، لم يفهمه أحد وما قال به سوى الشيعة الروافض(42).
10- المفاضلة بين عائشة وخديجة وفاطمة رضي الله عنهن: قال ابن تيمية: وأفضل نساء هذه الأمة خديجة وعائشة وفاطمة، وفي تفضيل بعضهن على بعض نزاع(43)..وسئل ابن تيمية عن خديجة وعائشة أمي المؤمنين أيهما أفضل؟ فأجاب: بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشاركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشاركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها(44), وقال ابن حجر: وقيل انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة وبقى الخلاف بين عائشة وخديجة(45), وقال في شرح حديث أبى هريرة أن جبريل أتى النبي × وأمره أن يقرئ خديجة السلام من ربها وفيه قال السهيلى: استدل بهذه القصة أبو بكر بن داود على أن خديجة أفضل من عائشة لأن عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه، وخديجة أبلغها السلام من ربها، وزعم ابن العربي أنه لا خلاف في أن خديجة أفضل من عائشة، ورد بأن الخلاف ثابت قديمًا، وإن كان الراجح أفضلية خديجة بهذا وبما تقدم(46). عند التحقيق والنظر في النصوص الواردة في تفضيل كل واحدة منهن – رضي الله عنهن- نجد أنها تدل على أفضلية خديجة وفاطمة ثم عائشة رضي الله عنهن، وذلك لقوله ×: «لقد فضلت خديجة على نساء أمتي»(47), وقال ×: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية»(48), قال ابن حجر: وهذا نص صريح لا يحتمل التأويل(49), وقال×: «حسبك من نساء العالمين: مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون»(50).وهذا نص في أن خديجة رضي الله عنها أفضل نساء الأمة، ثم إن اللفظ الوارد في تفضيل فاطمة رضي الله عنها وهو قوله ×: «يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟» (51). وفي لفظ:« سيدة نساء أهل الجنة»(52), فهو صريح لا لبس فيه ولا يحتمل التأويل، وهو نص في أنها أفضل نساء الأمة وسيدة نساء أهل الجنة، وقد شاركت أمها في هذا التفضيل فهي وأمها أفضل نساء أهل الجنة، وهي وأمها أفضل نساء الأمة، بهذا وردت النصوص(53), وأما ما ورد في تفضيل عائشة، رضي الله عنها، في قوله ×: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» فهو لفظ لا يستلزم الأفضلية المطلقة كما قال ابن حجر(54):وليس فيه تصريح بأفضلية عائشة، رضي الله عنها، على غيرها، لأن فضل الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المئونة وسهولة الإساغة، وكان أجلَّ طعمتهم يومئذ، وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل وجهة، فقد يكون مفضولاً بالنسبة لغيره من جهات أخرى(55). فالحديث إذًا دال على أفضلية عائشة، رضي الله عنها، على سائر نساء هذه الأمة ماعدا خديجة وفاطمة، رضي الله عنهما، لورود الدليل على ذلك مما قيد تلك الأفضلية لعائشة، رضي الله عنها(56), وأما ما ورد من حديث عمرو بن العاص لما سأل النبي ×: أي النساء أحب إليك؟ فقال ×: عائشة(57). فقد أشار ابن حبان إلى أنه مقيد في نسائه × إذ عقد عنوانًا في صحيحة فقال: ذكر خبر وهم في تأويله من لم يحكم صناعة الحديث، وساق تحته حديث عمرو بلفظ: قلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، فقلت: إني لست أعنى النساء وإنما أعنى الرجال، فقال: أبو بكر أو قال: أبوها. ثم قال ابن حبان: أذكر الخبر الدال على أن مخرج السؤال كان عن أهله دون سائر النساء من فاطمة وغيرها، وأخرج بسنده عن أنس قال: سئل رسول الله ×: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة قيل له: ليس عن أهلك نسألك، قال: فأبوها(58). وبهذا يتبين أن عائشة، تلي خديجة وفاطمة في الفضل، رضي الله عنها. إذًا فكل ما ورد من دليل على عموم تفضيلها رضي الله عنها مقيد بالنص الوارد في خديجة وفاطمة، رضي الله عنهما، ولا ينكر أن لعائشة، رضي الله عنها، من الفضائل كالعلم مثلاً ما تختص به عن خديجة وفاطمة رضي الله عنهن، إلا أنه لا يلزم من ثبوت خصوصية شيء من الفضائل ثبوت الفضل المطلق(59), وعلى كل حال فليس فضل إحداهن على الأخرى بمطعن على المفضولة، بل في هذا أكبر دليل على علو مكانة هؤلاء النساء الثلاث فاطمة وخديجة وعائشة رضي الله عنهن؛ حيث إن الخلاف لم يخرج عنهن في أنهن أفضل نساء الأمة، فما الذي يضر أم المؤمنين عائشة لو كانت ثالثة نساء الأمة في الفضل؟! وهل هذا مدعاة لاحترامها وتقديرها أم للنيل منها والطعن فيها، كما يفعل الشيعة الروافض؟! (60).
* هل استباحت السيدة عائشة أم المؤمنين قتال المسلمين في معركة الجمل؟
: قد تقدم أنها ما خرجت لذلك وما أرادت القتال، وقد نقل الزهري عنها أنها قالت بعد موقعة الجمل: إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال، ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدًا(61). وهذا القول بأن السيدة عائشة استباحت قتال المسلمين باطل لا يثبت أمام الروايات الصحيحة التي بينت أن عائشة ما خرجت إلا للإصلاح كما مر معنا، وإنما هذه الأقوال من الروايات التي وضعتها الشيعة الروافض، والتي شوهت تاريخ صدر الإسلام، وجعلت مما حدث بين على وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم حربًا أهلية، وتأثر بعض الباحثين بتلك الروايات حتى قال بعضهم: وأسرت عائشة، ويصورون المسألة كحرب أهلية مخطط لها، وهو قول طبيعي من باحثين لا يستقون معلوماتهم في هذا الشأن إلا من الروايات المقدوحة، ومن المصادر غير الموثوق بها مثل الإمامة والسياسة، والأغاني، ومروج الذهب، وتاريخ اليعقوبي، بل وتاريخ التمدن الإسلامي لجورجى زيدان(62).
* هل يصح هذا الحديث: تقاتلين عليًا وأنت له ظالمة؟ إنه لا يعرف في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا له إسناد معروف، وهو بالموضوعات المكذوبة أشبه منه بالأحاديث الصحيحة، بل هو كذب قطعًا، فإن عائشة لم تقاتل، ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين الناس.. لا قاتلت ولا أمرت بقتال، هكذا ذكر غير واحد من أهل المعرفة بالأخبار(63).
* أمير المؤمنين على رضي الله عنه يرد عائشة إلى مأمنها معززة مكرمة: جهز أمير المؤمنين على عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع، وأخرج معها من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وقال: تجهز يا محمد «ابن الحنفية»، فبلغها، فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس، وودعوها وودعتهم وقالت: يا بنى، تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة، فلا يعتدين أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك، إنه والله ما كان بيني وبين على في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنا عندي على معتبتى من الأخيار..وقال على: يا أيها الناس، صدقت والله برت، ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيك × في الدنيا والآخرة. وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة ست وثلاثين، وشيعها علىٌّ أميالاً وسرح بنيه معها(64) يومًا. وبتلك المعاملة الكريمة من أمير المؤمنين على رضي الله عنه نراه قد اتبع ما أوصاه به نبي الأمة × عندما قال له: «إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر. قال: أنا يا رسول الله؟ قال: نعم.قال: أنا؟ قال: نعم. قلت: فأنا أشقاهم يا رسول الله. قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها»(65). وقد خالف الصواب من ظن أن خروج أم المؤمنين إلى البصرة كان لشيء في نفسها من على رضي الله عنه لموقفه منها في حديث الإفك حين رماها المنافقون بالفاحشة فاستشاره النبي × في فراقها. فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك(66). وهذا الكلام الذي قاله على إنما حمله عليه ترجيح جانب النبي ×، لما رأي عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل، وكان شديد الغيرة، فرأى على أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها، فيمكن رجعتها، ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين لذهاب أشدها(67). قال النووي: رأى على أن ذلك هو المصلحة في حق النبي ×، واعتقد ذلك لما رأى من انزعاجه، فبذل جهده في النصيحة، لإرادة راحة خاطره ×(68). وعلي رضي الله عنه لم ينل عائشة رضي الله عنها بأدنى كلمة يفهم منها أنه قد عرض بأخلاقها أو تناولها بسوء، فإنه على الرغم من قوله للنبي ×: لم يضيق الله عليك(69), إلا أنه عاد فقال لرسول الله × ناصحًا: وسل الجارية تصدقك(70). فهو قد دعاه إلى التحري أولاً قبل أن يفارقها، أي أنه قد رجع عن نصيحته الأولى بالمفارقة إلى نصيحة أخرى بسؤال الجارية، وتحري الحقيقة(71), وقد سأل رسول الله × الجارية التي كانت أكثر التصاقًا بعائشة، فأكدت أنها ما علمت من أمر عائشة إلا خيرًا، وقد خرج رسول الله × من يومه الذي سأل فيه الجارية، واستعذر من عبد الله بن أبىًّ قائلاً: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا(72). لقد كانت نصيحة على في صالح عائشة، فقد ازداد × قناعة بما علم من خير في أهله(73). ولم يكن موقف على في حادثة الإفك هو الذي جعل عائشة تغضب منه رضي الله عنه لأجله، أو تحقد الحقد الذي يجعلها تتهمه زورًا بقتل عثمان، وتخرج عليه مؤلبة الأعداد الهائلة من المسلمين، كما زعم كثير من الباحثين ممن تورط في روايات الشيعة الرافضة التي لفقوها ووضعوها.
* ندمهم على ما حصل منهم: قال ابن تيمية:..وهكذا عامة السابقين، ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزّبير وعلىٌّ وغيرهم، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم(74).
أ- فأمير المؤمنين على ورد عنه عندما نظر وقد أخذت السيوف مأخذها من الرجال، أنه قال: لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة(75).
ب- وروى نعيم بن حماد، بسنده إلى الحسن بن على، أنه قال لسليمان بن صرد: لقد رأيت عليًا حين اشتد القتال وهو يلوذ بي، ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة(76).
جـ- وعن الحسن بن على قال: أراد أمير المؤمنين على أمرًا، فتتابعت الأمور، فلم يجد منزعًا(77).
د- وعن سليمان بن صرد، عن الحسن بن على أنه سمع عليًا يقول – حين نظر إلى السيوف قد أخذت القوم-: يا حسن أكل هذا فينا؟ ليتني مت قبل هذا بعشرين أو أربعين سنة(78).
هـ- وأما عائشة: فقد ورد عنها أنها كانت تقول حين تذكر وقعة الجمل: وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي، وكان أحب إلىّ أن أكون ولدت من رسول الله × بضعة عشر، كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومثل عبد الله بن الزبير(79).
و- وكانت إذا قرأت قوله تعالى: +وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" [الأحزاب:33] تبكي حتى تبل خمارها(80).
ز- قالت عائشة: وددت أن لو كان لي عشرون ولدًا من رسول الله × وكلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأنى ثكلتهم، ولم يكن ما كان منى يوم الجمل(81).
حـ- قال ابن تيمية: فإن عائشة لم تقاتل، ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين، وظّنت أنّ خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أنّ ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبلّ خمارها، وهكذا عامّة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزبير وعلىّ وغيرهم، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم(82).
ط- قال الذهبي: ولا ريب أن عائشة ندمت ندمة كلية على مسيرها إلى البصرة، وحضورها يوم الجمل، وما ظّنت أن الأمر يبلغ ما بلغ(83).
ــــــــــــــ
(1) سير أعلام النبلاء (2/135- 201) طبقات ابن سعد (8/58)، البداية والنهاية (8/95). (2) أي في قطعة من جيد الحرير، انظر: النهاية لابن الأثير (2/362). (3) مسلم رقم (2438). (4) مأخوذ من السلسل وهو العذب الصافي من الماء، والنهاية لابن الأثير (2/389). (5) البخاري رقم (4358). (6) سير أعلام النبلاء (2/143). (7) البخاري رقم 3775، ك فضائل الصحابة. (8) سير أعلام النبلاء (2/143). (9) البخاري، ك فضائل الصحابة رقم 3768. (10) البخاري، ك التفسير رقم (4789). (11) البخاري رقم (4141). (12) جلاء الإفهام: ص(124، 125). (13) البداية والنهاية (8/95)، تفسير القرآن العظيم (3/268). (14) البخاري، رقم (336). (15) سير أعلام النبلاء (2/189)، البداية والنهاية (8/95). (16) البخاري، ك فضائل الصحابة رقم (3774). (17) مسلم، ك الصحابة رقم (2443). (18) البخاري، رقم (4450، 4451). (19) المستدرك (4/13) صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (20) البخاري، رقم (3771). (21) فتح الباري، (7/108)، العقيدة في أهل البيت: ص(95). (22) البخاري، رقم 3770. (23) شرح صحيح مسلم (15/208، 209). (24) البخاري، ك فضائل الصحابة رقم (3772). (25) الانتصار للصحب والآل ص: (448). (26) المستدرك (4/10)، الصحيح المسند لمصطفى العدوى: ص(356). (27) البخاري رقم (3772). (28) البخاري رقم (3772). (29) الانتصار للصحب والآل: ص(448). (30) الانتصار للصحب والآل: ص(450، 451). (31) البداية والنهاية (7/248). (32)البخاري رقم (3104). (33) البخاري رقم (7093)، مسلم رقم (2905). (34) مسلم، ك الفتن (4/2229). (35) مسلم، ك الفتن (4/2229). (36) الانتصار للصحب والآل: ص(453). (37) نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق. (38) البخاري رقم (7095). (39) مسلم، ك الفتنة من المشرق (4/2229). (40) الفدادون: الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم. (41) البخاري رقم (3302)، الانتصار للصحب والآل ص(455). (42) الانتصار للصحب والآل: ص(455). (43) مجموع الفتاوى (4/394). (44) المصدر نفسه (4/393). (45) فتح الباري (7/109). (46) فتح الباري (7/139). (47) فتح الباري (7/135)، مجمع الزوائد (9/223). (48) الإحسان لابن حبان (9/73)، صحيح الجامع للألباني (1/371). (49) فتح الباري (7/135). (50) فضائل الصحابة (2/755) رقم (1325) وصححه الألباني في تخريج المشكاة (3/1745). (51) البخاري رقم (6285). (52) فتح الباري (7/105). (53) العقيدة في أهل البيت: ص(97). (54) فتح الباري (7/107). (55) المصدر نفسه (6/447). (56) العقيدة في أهل البيت: ص(97). (57) البخاري رقم (4358). (58) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (9/11). (59) فتح الباري (7/108)، العقيدة في أهل البيت: ص(98). (60) الانتصار للصحب والآل: ص(461). (61) المغازى للزهري: ص(154). (62) انظر: دراسة وتحليل للعهد النبوي الأصيل، محمد جميل، الحزبية السياسية، رياض عيسى، الحريم السياسي، النبي والنساء، الدولة العربية فلهاوزن، نقلا عن دور المرآة السياسي، ص(442). (63) منهاج السنة (2/185). (64) تاريخ الطبري (5/581). (65) مسند أحمد (6/393) إسناده حسن. (66) البخاري رقم (4786). (67) دور المرأة السياسي: ص(462). (68) شرح النووي على صحيح مسلم (5/634). (69) البخاري رقم (4786). (70) البخاري رقم (4786). (71) دور المرأة السياسي: ص(462). (72) البخاري رقم (4786). (73) دور المرأة السياسي: ص(462). (74) المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال، ص(222). (75) الفتن لنعيم بن حماد (1/80). (76) الفتن لنعيم بن حماد (1/80). (77) المصدر نفسه (1/81). (78) أحداث وأحاديث فتنة الهرج. ص(217). (79) الفتن، نعيم بن حمّاد (1/81). (80) سير أعلام النبلاء (2/177)، الطبقات (8/81). (81) التمهيد للباقلاني: ص(232)، عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي كان من نبلاء الرجال وهو من أشرف بنى مخزوم، توفى قبل معاوية. (82) المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض: ص(222، 223). (83) سير أعلام النبلاء (2/177). | |
| | | الدمعة الحزينة مشرفة عامة
المشاركات : 2176 الجنـس : السٌّمعَة : 45 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي :
| موضوع: رد: تاريخ الفتنة الإسلامية الكبرى بين علي ومعاوية الإثنين نوفمبر 14, 2011 4:24 am | |
| مشكورة على الموضوع ويعطيك الف عافية | |
| | | الغنيم مشرف عام
المشاركات : 206 الجنـس : الـعـمــر : 51 السٌّمعَة : 8 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي : هوايـتـي :
| موضوع: رد: تاريخ الفتنة الإسلامية الكبرى بين علي ومعاوية الجمعة نوفمبر 25, 2011 10:24 am | |
| جزاك الله خير
هذه فتنة قد صان الله منها أيدينا فنسأله أن يصون عنها السنتنا
وليعلم كل من يتكلم في هذه الفتنة انهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وانه حذر من سبهم او تنقصهم
كما يعلم ان الله قد رضي عنهم
وليعلم ايضا ان كثيرا منهم حطوا رحالهم في الجنة
وانما كانت فتنة حدثت بينهم فاجتهدوا فيها فمنهم مخطئ ومصيب وكثير منهم متوقف لم يدخل تلك الفتنة
فالمخطئ له اجر والمصيب له اجران كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما اوصي من يريد ان يقرأ التاريخ الاسلامي ان يقرأه من الكتب الموثوقة التي تلتزم نقل الصحة في الاخبار | |
| | | saso0o نائبة المدير
المشاركات : 3914 الجنـس : الـعـمــر : 36 السٌّمعَة : 93 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي : هوايـتـي :
| موضوع: رد: تاريخ الفتنة الإسلامية الكبرى بين علي ومعاوية الإثنين نوفمبر 28, 2011 7:55 pm | |
| انا فعلا اتلغبطت كتيرا عند قرأه بعد هذه الكتب لكن منها كثير ما رواه الشيعه ولكن من يئتمن الشيعه !!!
لكن لثقتى فى كاتب هذا الكتاب احببت ان انقل املعلومه الصحيحه | |
| | | | تاريخ الفتنة الإسلامية الكبرى بين علي ومعاوية | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|