تفسير قوله تعالى {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله
{وَمِنَ النَّاسِ مَن
يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ
مَّرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ} [الحج: 3- 4]،فى أثناء آيات المعاد وعَقَّبهَا بآية المعاد، ثم أتبعه بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ} إلى قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 8 ـ 11]، فيه بيان حال المتكلمين، وحال المتعبدين المجادلين بلا علم، والعابدين بلا علم، بل مع الشك؛ لأن هذه السورة سورة الملة الإبراهيمية الذي جادل بعلم وعَبَدَ الله بعلم؛ ولهذا ضمنت
ذكرالحج،
وذكر المِلَلِ الست.
فقوله: يجادل فى الله بلا علم: ذم لكل من جادل فى الله بغير علم، وهو دليل على أنه جائز بالعلم كما فعل إبراهيم بقومه،
وفى الأولى ذم المجادل بغير علم،
وفى الثانية بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
وهذا والله أعلم من باب عطف الخاص على العام، أو الانتقال من الأدنى إلى الأعلى،
ليبين أن الذي يجادل بالكتاب أعلاهم،
ثم بالهدى،
فالعلم اسم جامع، ثم منه ما يعلم بالدليل القياسي فهو أدنى أقسامه فيخص باسم العلم،
ويُفْرِد ما عداه باسمه الخاص؛
فإما معلوم بالدليل القياسي، وهو علم النظر،
وإما ما علم بالهداية الكشفية، كما للمحدثين وللمتفرسين، ولسائر المؤمنين، وهو الهدى، وإما ما نزل من عند الله من الكتب وهو أعلاها،
فأعلاها العلم المأثور عن الكتب،
ثم كشوف الأولياء، ثم قياس المتكلمين، وغيرهم من العلماء.