الفنون ألوان شتى :منها التصوير و النحت و العمارة .و منها
الموسيقى و الأدب.و الفنون ألوانها تتظاهر على إبراز الجمال ,و
التعبير عنه بوسائله الخاصة,و الأدب هو فن الكلمة و الكلام,فن
اللفظ و المعنى ,فن التركيب و التعبير,و كل ذلك يدخل في نطاق
الفصاحة و البلاغة,فالبلاغة لون من ألوان الفن,و صورة من
صوره,تقوم على الطبع الأصيل,و الفطرة السليمة.
و العرب بطبعهم الأصيل ,و فطرتهم السليمة,اشتهروا منذ العصر
الجاهلي بالفصاحة و البلاغة, و التمتع بسلامة الذوق في معالجة
الكلام من اختيار للألفاظ,و اجتلاب للمعاني,و الملائمة بين اللفظ و
المعنى,و حسن التركيب,و إجادة التصوير,و رصف البديع.كما
اشتهروا بالبعد عن فضول القول, و الحشو,و الإسهاب.و كل ما
يزري من شأنهم.
و لم تكن العرب تفخر بتلك الفصاحة فحسب,و إنما كان يترتب
على تلك الفصاحة أشياء ترفع من شأن العربي الذي يتسم
بها,فيسود قومه,و يعلو كعبه,و يخبرنا الجاحظ في كتاب شرائع
المروءة: ((أن العرب كانت تسود على أشياء ....و كان أهل
الجاهلية لا يسودون إلا من تكاملت فيه ست خصال:السخاء,و
النجدة,و الصبر,و الحلم,و التواضع, و البيان.
و صار في الإسلام سبعا)).فالبيان شرط من شروط السيادة بين
العرب,و بدونه يستحيل على العربي مهما اتصف بكثير من
الصفات الحميدة,أن يأمل في سيادة قومه و عشيرته.
و أبرز ما يلفت أنظارنا في لغة العرب في العصر الجاهلي أنها لغة
إيجاز ,و أنهم حريصون على هذا الإيجاز كل الحرص,فيحذفون
الحرف ,و الكلمة ,و الجملة و,إذا كان الكلام مفهوما بدونها,و ظهر
الدليل عليها,فيأنسون إلى طبيعتهم في الإقتصار.و يشيرون إلى
المعنى إشارة معبرة موحية تغني عن الكلام الطويل و السرد الممل.
يقول بعض الحكماء((البلاغة علم كثير في قول يسير)) أو ((إجاعة
اللفظ و إشباع المعنى))فالإيجاز فضيلة مشهورة عند العرب,فاللغة
العربية مع السعة و الكثرة أخصر اللغات في إيصال المعنى إذا
كانت لغة تفصح عن المقصود,و تظهر مع الاختصار و
الاقتصار,فهي أولى بالاستعمال ,و أفضل مما يحتاج فيه إلى
الإسهاب و الإطالة.
و الكلام البليغ ((هو الواضح المعنى,الفصيح العبارة,الملائم
للموضع الذي يطلق فيه و الأشخاص الذين يخاطبون)).
و الرجل البليغ ((هو من لديه الموهبة و المقدرة على صياغة الكلام
البليغ)).
البلاغة تهدف إلى إرشاد الأديب إلى كتابة نص جيد خال من العيوب و الأخطاء.