كيف كان لسانه صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز بفصاحة اللسان، وبلاغة القول، وكان من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة لفظ وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف، أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم وعلم ألسنة العرب([1]).
كان صلى الله عليه وسلم أعدل الناس وأعفهم وأصدقهم لهجة وأعظمهم أمانة، اعترف له مما ورد أعداؤه، وكان يسمى قبل نبوته الأمين، ويتحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام.
روى الترمذي عن علي: أن أبا جهل قال له: إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله فيهم }فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ{ وسأل هرقل أبا سفيان، هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا([2]).
ومما رواه البحتري قال: ما شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من المؤمنين بشتيمة إلا جعل لها كفارة ورحمة وما لعن امرأة قط ولا خادما بلعنة، وقيل له وهو في القتال: لو لعنتهم يا رسول الله فقال: "إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا"([3]).
كان صلى الله عليه وسلم نزر الكلام سمح المقالة إذا نطق ليس بمهزار وكان كلامه كخرزات نظمن، قالت عائشة رضي الله عنها كان لا يسرد الكلام كسردكم هذا، كان كلامه نزرا وأنتم تنثرون الكلام نثرا([4]).
وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير كأنه يتبع بعضه بعضا بين كلامه توقف يحفظه سامعه ويعيه([5]).
يحدثنا أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي خدم رسول
الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات يقول: ما مسست ديباجًا ولا حريرًا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط، أف، ولا قال لشيء فعلته، لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة ولكن يعفو ويصفح.
وكان جل ضحكه صلى الله عليه وسلم التبسم وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض بصره([6]).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر.
ولنترك هند بن أبي هالة يصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان: دائم الفكرة، ليست له راحة ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت وكان يخزن لسانه إلا عما يعنيه، يؤلف أصحابه ولا يفرقهم([7]).
وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق متقاربين مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم لا تخشى فلتأته يتعاطفون بالتقوى يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة ويؤنسون الغريب.
كان دائم البشر سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش، ولا عتاب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يقنط منه، قد ترك نفسه من ثلاث: الرياء، والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، حديثهم حديث أولهم يضحك بما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون منه، ويصبر على الغريب على الجفوة في المنطق، ويقول: إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يطلب الثناء إلا من مكافئ([8]).
أكمل له جل وعلا الصفات وأحسن له الأدب وأثنى عليه بقوله تعالى: }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{ بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم اللهم اجمعنا معه في دار كرامتك، فإن كانت بعدت بيننا الأيام.. اللهم لا تحرمنا شفاعته يوم القيامة يا أرحم الراحمين .