قال تعالى : " يا أيها الذين أمنوا أتقوا الله و أتبعوا اليه الوسيلة " المائدة 35
وقال سبحانه ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب
ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ) الإسراء 57
التوسل برسول الله ورد فى القرآن والسنة أما فى القرآن فعندما نزل قول الله
( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا
كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) وحكى القرطبي
فى تفسيرة للقرآن وكذلك الطبرى فى تفسيرة وغيرهما
عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : أن يهود خيبر اقتتلوا
في زمان الجاهلية مع غطفان فهزمتهم غطفان ،
فدعا اليهود عند ذلك ، فقالوا : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي
الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان ، إلا نصرتنا عليهم .
قال : فنصروا عليهم . قال : وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله
فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم .
قال الله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا ) أي من الحق
وصفة محمد صلى الله عليه وسلم "
وأما فى السنة فقد ورد أنه لما وقع آدم فى الخطيئة واهبط من الجنة
طلب من الله أن يتوب عليه فألهمه الله فقال :
( اللهم بحق محمد إلا غفرت لى ) حديث صحيح
رواة الحاكم فى المستدرك على الصحيحين والإمام الطبرانى
والإمام أبوداود وغيرهم والراوى هو سيدنا عمر
(فقال له يا آدم كيف عرفت محمد ولما يأتى بعد ؟
فقال يارب ما نظرت إلى شئ فى الجنة إلا ووجدت اسمه
مقرونا بجوار اسمك فعلمت أنه أحب الخلق إليك فقال له الله
صدقت يا أدم وإذ سألتنى بحقه فقد غفرت لك )
وكذلك ورد أن أول واقعة بين الفرس والعرب وتسمى واقعة ذى القار
وكانت مع قبيلة بكر بن وائل قال شيخ القبيلة لشبابها :
ما اسم الرجل الذى عرض عليكم فى مكه
_ وكان النبى يعرض دعوته فى مكة فى أسواقها _
قالوا محمد قال : اجعلوها شعاركم اليوم )
فجعلوا شعارهم فى المعركة ( محمد ) قال صل الله عليه وسلم :
( فبى نصروا )
كل ما سبق كان أدلة تثبت التوسل به صل الله عليه وسلم
قبل ظهورة وبعثته وسنذكر الآن الأدلة من السنة الصحيحة
نثبت بها التوسل به صل الله عليه وسلم فى حياته
وكذلك بإخوانه النبيين ،
فقد ورد عن رسول الله أنه قال
" من خرج من بيته الى الصلاة فقال : اللهم أسألك بحق السائلين عليك .
و بحق ممشاي هذا . فانى لم أخرج أشر ولا بطرا ........)
رواة ابن ماجه عن أبى سعيد الخدرى
وما رواه الطبرانى و ابن حيان و الحاكم عن أنس رضى الله عنه
" لما ماتت فاطمه بنت أسد أم على ابن طالب
" دخل الرسول r الغير فاضطجع و قال الله الذى يحيى و يميت
و هو حي لا يموت أغفر لأمى فاطمه بنت أسد و لقنها حجتها
و وسع عليها مدخلها بحق نبيك و الأنبياء الذى من قبلى
فأنك أرحم الراحمين "رواه ابن ابى شيبه عن جابر . و كذا رواه ابن عبد البر
عن ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين .
و فى الحديث الذى رواه الترميزى و النسائى و البيهقى
و الطبرانى باسناد صحيح عن عثمان ابن حنيف رضى الله عنه
" أن رجل رجل ضرير البصر أتى البى فقال ادعوا الله أن يعافينى
’ قال ان شئت دعوت و ان شئت صبرت خير لك قال فادعه
؟ قال فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء و يدعو بهذا
( اللهم أنى أسألك و أتوجه اليك نبيك محمد نبى الرحمة
انى توجهت بك الى ربى فى حاجتى هذه لتقض لى اللهم شفعه فيّ )
. فعاد و قد أبصر .
والسبب فى رواية سيدنا عثمان بن حنيف لهذا الحديث هى :
أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه فى حاجة له
أثناء توليه إمارة المؤمنين _فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر فى حاجته
فلقى عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك فقال له عثمان بن حنيف :
ائت الميضأة فتوضأ فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل :
اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة ،
يا محمد إنى أتوجه بك إلى ربى لتقضى لى حاجتى وتذكر حاجتك
ورح إلى حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال له
ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيدة
فأدخله على عثمان بن عفان وأجلسه وذكر حاجته لعثمان فقضاها له
وقال له : ما كانت لك من حاجة فائتنا وخرج الرجل من عنده
ولقى عثمان بن حنيف فقال له جزاك الله
خيرا ما كان ينظر فى حاجتى حتى كلمته فىّ فقال عثمان :
والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صل الله عليه وسلم
وأتاه رجل ضرير ثم ذكر الحديث ، والقصه تدل على ما يدل عليه الحديث
وتغلق الباب وتسد الطريق على من حاول أن يزعم
أن الحديث خاص بحياة النبى صل الله عليه وسلم وقد صحح هذا الحديث
الحاكم والترمذى وصححه الألبانى أيضا قال عنه إسناده صحيح
فى التعليق على صحيح بن خزيمه 1219
ورواة الطبرانى فى الصغير والبيهقى فى دلائل النبوة
والمنذرى فى الترغيب والترهيب
والهيثمى فى مجمع الذوائد والمباركفورى فى تحفة الأحوذى
صحابي توسل واستغاث بالنبي في حضرة عمر ولم ينكر عليه
روى البيهقي (1) بإسناد صحيح عن مالك الدار (وكان خازن عمر)
قال [أصاب الناس قحط في زمان عمر،
فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا،
فأتاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام فقال:
إيت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له:
عليك بالكيس الكيس، فأتى الرجل عمر فأخبر عمر فقال:
يا رب ما ءالو إلا ما عجزت] اهـ. وهذا الرجل هو بلال بن الحارث المزني الصحابي
، فهذا الصحابي قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2) ما نصه
[وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان
عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى
قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك
فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر . . . الحديث.
وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو
بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة] ا.هـ.
------------
(1) انظر البداية والنهاية (7/ 91-92)
(2) فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/495-496)
وخازن عمر يقولون أنه مجهول وردنا أنه لو لم يكن ثقة لما اختارة الفاروق رضى الله عنه ليكون خازنه
قال الأمام ابن القيم فى كتاب الفوائد : أرباب الحوائج على باب الملك
يسألون قضاء حوائجهم ، وأولياؤه المحبون له
الذين هو همهم ومرادهم جلساؤه وخواصه فإذا أراد واحد من أولئك
قضاء حاجة أذن لبعض جلسائه وخاصته أن يشفع فيه رحمةله
وكرامة للشافع .،وسائر الناس مطرودون عن الباب مضروبون بسياط البعد ))
وقد اتفقت المذاهب الأربعة على جواز التوسل بالنبى صل الله عليه وسلم بل استحباب ذلك وعدم التفريق بين حياته صل الله عليه وسلم وانتقاله إلى الرفيق الأعلى ولم يشذ إلا ابن تيميه حيث فرق بين التوسل بالنبى صل الله عليه وسلم فى حياته الدنيويه وبعد انتقاله صل الله عليه وسلم ولا يجوز لعاقل أن يترك الإجماع . لان الأنبياء الصالحين لهم حياتهم البرزخية الخاصة بهم و أنهم أحياء فى قبورهم يصلون و أرواحهم منطلقة عند الله لا يحددها مكان و لا زمان . لأن الومان و المكان فى الدنيا فقط فهم يتمتعون بالروضات الجنانية . و أرواحهم تتقابل و تتعارف . قال الله فيهم : " لهم ما يشائون عند ربهم " اقرا فى كتاب الروح لابن القيم قدس الله سره .
و المؤمن يتوسل بمكانتهم عند ربهم و ان مكنانتهم باقية عند الله و لم تزول بموتهم و المؤمن يتوسل بهم فى قضاء حاجته و هو يعلم علم اليقين أنهم أسباب و أبواب فضل الله تعالى و لا يملكون مع الله شيئا . و أنهم عبيد الله لا يستطيعون نفع أنفسهم فضلا عن غيرهم . و يعتقد المؤمن هذه العقيدة و كيف يأتى بفعل أو قول يخالف هذه العقيدة و يتنافى معها . لكنه يعتقد أن الله أقام الأسباب ينفع بها عباده .و عن طريق هذه الأسباب يوصل لهم خيره و احسانه وعطاءه سواء بالتوسل بعبادة الصالحين أو بأسماء الله أو بالعمل الصالح .
كما جعل الله الماء سبب الحياة و جعل الدواء سبب الشفاء و جعل الشمس سبب الحياة على هذه الأرض , فلا يعتقد مسلم أن الشمس قدمت له كل هذه المنافع التى تعلمها من نفسها و ذاتها . و لكنه يعتقد أن الله سخرها و قهرها و سيرها و أمرها لتؤدى كل هذه المنافع للانسان بأمره سبحانه .
و ما أودع فيها من أسرار أسماءه و صفاته و لو تخلى الله عنها طرفة عين أو أقل لتفتت و ما كان لها وجود . فذلك مع كل كائن و مخلوق .
فالصالحين من عباد الله ينفع بهم الله الناس سواء كان حيا حياة كونية أو حياة برزخية .
و قد أودع الله أسرار قراءته و علمه و نوره فى عباده الصالحين لما لهم من المنزلة العالية و المكانة الرفيعة عند الله . أمر عباده بالتوسل بهم لأنهم أسباب الخير والهداية و العلم فى هذه الحياة فهم سبب هدايتنا اخراجنا من الظلمات الى النور . و يرفع مكانتهم بين عبادة اعترافا بفضلهم و ما تحملوه من فادح الألام من أجل اسعاد البشرية و ارشادهم فى هداية كل انسان الى السعاده الأبدية . فاللهم اجزهم عنا خير الجزاء