بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معنى زكاة الفطر وسبب تسميتها بذلك
هي الصدقة التي تخرج في آخر رمضان، وفي ليلة عيد الفطر وصباح عيد الفطر،
وسميت بزكاة الفطر لأنها شرعت عند إتمام الشهر، وفي الزمن الذي يفطر فيه
الصائمون من رمضان، فهي زكاة الإفطار، أو صدقة عيد الفطر الذي بعد إكمال
رمضان.
حكم زكاة الفطر
لا شك أنها واجبة، ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: (فرض رسول الله صلى
الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، صاعاً من تمر أو صاعاً من
شعير.... الحديث). والفرض في الظاهر هو الإيجاب والإلزام، فدل
على أنها من الفرائض.
ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك، لكن الحنفية يقولون بالوجوب دون
الفرضية، على قاعدتهم في التفريق بين الفرض والواجب، وقد ثبت أن قوله
تعالى: {قد أفلح من تزكى** [الأعلى:14]. نزلت في زكاة الفطر
كما روى ذلك ابن خزيمة.
الحكمة من تشريع زكاة الفطر
روى ابن عباس قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة
للصائم من اللغووالرفث، وطعمة للمساكين). رواه أبوداود وابن ماجه
والدار قطني والحاكم وصححه. وذلك أن الصائم في الغالب لا يخلومن الخوض
واللهو ولغوالكلام، وما لا فائدة فيه من القول والرفث الذي هو الساقط من
الكلام، مما يتعلق بالعورات ونحوذلك، فتكون هذه الصدقة تطهيراً للصائم مما
وقع فيه من هذه الألفاظ المحرمة أو المكروهة، التي تنقص ثواب الأعمال وتخرق
الصيام.
ثم هي أيضاً طعمة للمساكين، وهم الفقراء المعوزون، ليشاركوا بقية الناس
فرحتهم بالعيد، ولهذا ورد في بعض الأحاديث: أغنوهم عن الطواف في هذا
اليوم. يعني أطعموهم وسدُّوا حاجتهم، حتى يستغنوا عن الطواف والتكفف في
يوم العيد، الذي هو يوم فرح وسرور.
ثم إن إخراجها عن الأطفال وغير المكلفين والذين لم يصوموا لعذر من مرض أو
سفر داخل في الحديث، وتكون طهرة لأولياء غير المكلفين، وطهرة لمن أفطر
لعذر، على أنه سوف يصوم إذا زال عذره، فتكون طهرة مقدمة قبل حصول الصوم أو
قبل إتمامه.
أصناف زكاة الفطر
في حديث أبي سعيد المتفق عليه قال: (كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعاً من طعام، أوصاعاً من تمر، أوصاعاً
من شعير، أوصاعاً من زبيب، أوصاعاً من أقط، فلم نزل كذلك حتى قدم علينا
معاوية المدينة، فقال: إني لأرى مدّين من سمراء الشام يعدل صاعاً من تمر،
فأخذ الناس بذلك) قال أبوسعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه.
وللنسائي عنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً
من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط).
وللدار قطني عنه قال: (ما أخرجنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا صاعاً من دقيق، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من سلت، أو صاعاً من زبيب،
أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط). وغير ذلك من الروايات.
وقد ذهب الأكثرون إلى أنها لا تخرج إلا من الأصناف الخمسة المذكورة، وهي:
الطعام، أي: البر كما ورد مفسراً في بعض الروايات، والشعير، والتمر،
والزبيب، والأقط؛ لأنها الأقوات المعتادة لغالب الناس، ورجح شيخ الإسلام
ابن تيمية جواز إخراجها من غالب قوت البلد، ومنه الأرز والذرة والدخن إذا
غلب أكلها في إحدى الجهات، وهو الأقرب إن شاء الله تعالى.
مقدار زكاة الفطر:
ذكر في حديث أبي سعيد أنها صاع من أحد الأصناف المذكورة، وقد اختلف في
مقدارها من البر، فرأى معاوية الاكتفاء بنصف صاع منه، لكونه أفضل من
الشعير، وأن الفقراء قد لا يأكلون الشعير أحياناً؛ بل يطعمونه الدواب
والبهائم، وكذا التمر؛ سيما الرديء منه، فنصف الصاع من البر يعدل الصاع من
الشعير في القيمة، ثم هو أنفع من الشعير للفقراء، وقد عمل بذلك كثير من
الصحابة، ذكرهم الحافظ في شرح البخاري وغيره.
وورد في ذلك حديث حسنه الترمذي، عن عمروبن شعيب عن أبيه عن جده، (أن
النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر واجبة
على كل مسلم ذكر أو أنثى، حر أو عبد صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه،
صاع من طعام).
ولكن حديث أبي سعيد أصح منه، وفيه صاع من طعام، وقد فسّره الخطابي بالبر
وهو الأولى، وقد اختار أبوسعيد البقاء على ما كان عليه وقت النبي صلى الله
عليه وسلم، وهو إخراج الصاع كاملاً دون موافقة معاوية على رأيه.
ثم إن الصاع معروف، وهو أربعة أمداد، والمد من البر ملء الكفين المتوسطين
مجموعتين، وقدر الصاع بأنه خمسة أرطال وثلث بالعراقي، والصاع معروف في هذه
البلاد، وهو مع العلاوة يقارب ثلاث كيلو، وبدون علاوة نحوكيلوين ونصف،
والاحتياط إكمال الثلاثة.
إخراج قيمة زكاة الفطر نقداً
ورد في السنة إخراجها من الأطعمة التي ذكرت في الأحاديث، أو من غالب قوت
البلد، ليحصل بها الاقتيات والاستغناء عن التكفف والتسول يوم العيد، ويكفى
الفقراء عن الشراء والحمل بإيصالها إلى منازلهم غالباً.
وقد ذهب الحنفية إلى جواز إخراج القيمة، وهو إخراجها نقداً من الدراهم أو
الدنانير، وزعموا أنه أرفق بالفقير، حتى يتمكن من شراء ما يناسبه من الطعام
أو غيره، وهو خلاف النصوص الواردة والأحاديث المتكاثرة، فإن القيمة موجودة
في العهد النبوي، ولم يأمر بالإخراج منها؛ ولأن في إخراجها طعاماً إشهار
لها وإعلان للعمل بها، بخلاف القيمة فإنها تكون خفية، يعطيها المزكي بخفية،
وقد يأخذها من لا يستحقها.
على من تجب زكاة الفطر
تجب على المسلم الحر العاقل إذا فضل بشيء عن قوته وقوت عياله يوم العيد
وليلته، فيخرج عن نفسه وعن كل من يمونه ممن تجب عليه نفقته، فإن عجز عن
الجميع، بدأ بنفسه، فامرأته، ثم برقيقه، ثم بولده، ثم بأمه، ثم أبيه، ثم
الأقرب فالأقرب من عصبته، ففي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين قال: (فرض
رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان.. على العبد والحر،
والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين). وفي حديث ثعلبة بن
أبي صُعَيرْ مرفوعاً: (صاع من بر، أو قمح، على كل إثنين، صغير أو كبير،
حر أو عبد، ذكر أو أنثى، غني أو فقير، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم
فيرد الله عليه أكثر مما أعطى) رواه أبوداود وأحمد وغيرهما. ووقع في
بعض طرق حديث ابن عمر: (على كل صغير وكبير، حر وعبد، ممن تمونون)
رواه الدار قطني.
ولا تلزمه فطرة زوجته إذا نشزت، ولا عبده المكاتب؛ لأنها لا تلزمه نفقتهما،
ومن تبرع بنفقة إنسان شهر رمضان لم تجب عليه فطرته التي هي تابعة لوجوب
النفقة.
واستحبها بعض الصحابة عن الجنين في بطن أمه من غير وجوب، ومن وجبت فطرته
على غيره فأخرج عن نفسه كالزوجة والابن والأم أجزأت عنه، لأنه المخاطب بها،
وإنما تحملها عنه وليه تبعاً للنفقة أو للحاجة.
جهة إخراج زكاة الفطر
مصرف الفطرة كمصرف الزكاة، فأهلها هم أهل الزكاة المذكورون في قوله
تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل**
[التوبة:6]. وحيث إن وصف الفقر والمسكنة هو الغالب، فإن المقدم
فيها هم الفقراء والمساكين، الذين تعوزهم النفقة ويحتاجون إلى تحصيل القوت
الضروري لهم ولعوائلهم، ولهذا ورد في الحديث: أغنوهم عن السؤال في هذا
اليوم.
ثم عليه أن لا يحابي بها، وأن يقدم من علمه أشد حاجة، فإن كان أقاربه من
أهلها فهم أولى من الأباعد مع الاستواء في الحاجة؛ ولأنه ورد في الحديث:
صدقتك على الفقير صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة. ولا يجوز لمن
تلزمه مؤنته كزكاة المال.
نقل زكاة الفطر من بلد الشخص إلى بلد آخر
لا يجوز ذلك إلا إذا لم يوجد في البلد فقراء، وقد ذكر العلماء أنها تتبع
البدن، فيخرجها في البلد الذي تدركه ليلة العيد وهو فيه، ولوكان سكنه وأهله
في غيره، كمن يصوم آخر الشهر بمكة، فإنه يخرجها هناك، وأهله يخرجون عن
أنفسهم في موضعهم الذي يوجدون فيه ليلة الفطر، فإن لم يوجد في بلده فقراء
من أهلها، وعرف فقراء في بلد آخر جاز نقلها إلى أقرب بلدة يعرف فيها من هم
من أهل الاستحقاق، وقيل: يجوز إلى أبعد منها إذا كانوا اشد حاجة أو لهم
رحم وقرابة.