إن في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها

iإن الحمد لله نحمد ونستعيذونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمد عبده ورسوله ورضي الله تعالى عن الصحابة والقرابة وعنا مثلهم يا رب العالمين

فى كل عام يعز علينا ضيفا كريما رحيما هو ليس كالضيوف بل هو أجود بالخير من الريح المرسلة , كيف لا والسماء تبتهج فرحا وترقص طرباً لقدوم هذا الضيف الكريم فقد جاء عند الإمام المحدث أبو الليث السمرقندي رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول بأن الجنة لتبخر وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كان أوّل ليلة من رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة، فتصفق ورق أشجار الجنة وحلق المصاريع فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه، فتبرز الحور العين حتى يقمن على شرف الجنة فينادين هل من خاطب إلى اللَّه تعالى فيزوجه اللَّه سبحانه وتعالى منا؟ ثم يقلن يا رضوان ما هذه الليلة؟ فيجيبهن بالتلبية، فيقول يا خيرات حسان هذه أوّل ليلة من شهر رمضان، ويقول اللَّه يا رضوان افتح أبواب الجنان للصائمين من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم، ويقول يا مالك أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم ... " الحديث "


وقد قال مولانا عز وجل " الصوم لي " فوصف الصيام بصفة صمدانية ليس فيه أكل ولا شرب ولذلك أمر الصائم أن لا يرفث ولا يفسق ولا يقول الهجر من الكلام أدباً مع الصفة الصمدانية التي تلبس بنظير اسلموا ومن فوائد الصوم أنه يسد مجاري الشيطان من بدن الصائم وكل صوم يكون جنة منه إلى نظيره من الصوم الذي بعده فلا يصل إبليس إلى العبد ليوسوس له بها ونظيره هذا الكلام قول النبي صلى الله عليه وسلم " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر "


وإنما كان صوم رمضان شهرا كاملا إما تسعا وعشرين أو ثلاثين لأن أصل مشروعيته كان كفارة للأكلة التي أكلها آدم عليه السلام من الشجرة فأمره الله تعالى بصومه كفارة لها وقد ورد أنها مكثت في بطنه شهراً حتى ذهبت فضلاتها .


واعلم يا أخي أن فائدة الصوم لا تحصل إلا بالجوع الزائد على الجوع الواقع عادة في غير رمضان فمن لم يزد في الجوع في رمضان فحكمه كحكم المفطر سواء في عدم سد مجاري الشيطان لا سيما إن تنوع في المآكل والمشارب وأنواع الفواكه وتعشى عشاء زائدا عن الحاجة ثم تنعم وتسحر آخر الليل كذلك فإن مثل هذا ينفتح من بدنه للشيطان مواضع زائدة عن أيام الإفطار فتكثر مجاري الشيطان التي يدخل منها إلى هلاكه في مثل هذا الشهرالعظيم .وقد كان المؤمن في الزمان الماضي لا يخرج من صوم رمضان إلا وهو يكاشف الناس بما في سرائرهم لشدة الصفاء الذي حصل عنده من توالي الطاعات وعدم المخالفات .


واعلم يا أخي أن القصد من صيام رمضان وقيامه هو امتثال امر الله تعالى والتلذذ بمناجاة الحق لا طلب أجر أخروي ونحو ذلك هروباً من دناءة الهمة فإن من قام رمضان لأجل حصول الثواب فهو عبد الثواب لا عبد الله تعالى كما أشار إليه الحديث " تعس عبد الدينار والدرهم والخميصة " .ويقول الولي الكامل أبي المواهب سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه " أقسم الملك القدوس أن لا يدخل حضرته أحد من ارباب النفوس "
يقول سيدي علي الخواص رضي الله عنه " لا تقتصروا في قيام رمضان على العشر الاواخر من رمضان بل قوموه كله واهجروا نساءكم فيه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فإني رأيت ليلة القدر في ليلة السابع عشر منه قال : وقد أجمع أهل الكشف على انها تدور في ليالي رمضان وغيره ليحصل لجميع الليالي الشرف وبه قال بعض الأئمة أي أنها تدور في جميع ليالي السنة فإذا تمت الدورة افتتحت دورة ثانية وظواهر الأدلة كلها يعطي تخصيصها بشهر رمضان وهو المعتمد " والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " وروى النسائي والبيهقي عن ابي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله تعالى عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين , لله تعالى فيه ليلة خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حرم الخير كله "

وانتبه يا أخي إلى ناحيتين في شهر رمضان المبارك أولها التسحر في كل ليلة من ليالي الصيام وثانيا تعجيل الافطار فتأخير السحور إحياء لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وينبغي للمتسحر أن لا يزيد على ثلاث لقم أو ثلاث تمرات فإن السر في التقوية على الصوم بالسحور حاصل بالأكل القليل فليس في الكثير فائدة كما أن نوم القيلولة ينفع من يقوم الليل وكان سيدي الشيخ عبد العزيز الديريني يقول : النوم بعد الزوال دواء للسهر الآتي والنوم قبل الزوال دواء للسهر الماضي .

وروى الشيخان مرفوعاً " تسحروا فإن في السحور بركة " وروى الطبراني ورواته ثقات " البركة في ثلاث في الجماعة والثريد والسحور " وروى مسلم رحمه الله تعالى " فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور "
وأما تعجيل الإفطار فالحكمة فيه المسارعة إلى تعجيل حظ النفس من حيث كونها مطيتنا ولولا هي ما استطعنا ظمأ الهواجر في أيام الصيف الطوال وفي المثل السائر : تقول النفس لصاحبها كن معي في بعض أغراضي وإلا صرعتك , وفي الحديث " أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه " وفي حديث آخر " المنب لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى "
والمنبت : هو الذي حمل دابته فوق طاقتها حتى عجزت واضطجعت فلا هو قطع طريق السفر ولا هو أبقى ظهر دابته .

وصلى الله تعالى على سيدنا محمد القائل " إن في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها " اللهم اجعلنا ممن يتعرض هذه النفحات الطيبة ويقوم بها حق قيامها واجعلنا من العتقاء فيها

والحمد لله رب العالمين

جزاك الله خيراً بارك الله فيك

وفيك

موضوع رائع
ويوجد قسم له